الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (10)

أخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { والذين جاؤوا من بعدهم } قال : الذين أسلموا فعنوا أيضاً عبدالله بن نبتل وأوس بن قيظي . وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : الناس على ثلاثة منازل قد مضت منزلتان وبقيت منزلة ، فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت ، ثم قرأ { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } الآية ، ثم قال : هؤلاء المهاجرون وهذه منزلة وقد مضت ثم قرأ { والذين تبوّءُو الدار والإِيمان من قبلهم } الآية . ثم قال : هؤلاء الأنصار وهذه منزلة وقد مضت ، ثم قرأ { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان } فقد مضت هاتان المنزلتان وبقيت هذه المنزلة فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة .

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه { والذين جاؤوا من بعدهم } الآية قال : أمروا بالاستغفار لهم ، وقد علم ما أحدثوا .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان } .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سمع رجلاً وهو يتناول بعض المهاجرين ، فقرأ عليه { للفقراء المهاجرين } الآية ، ثم قال : هؤلاء المهاجرون فمنهم أنت ؟ قال : لا ثم قرأ عليه { والذين تبوّءُو الدار والإِيمان } الآية ، ثم قال : هؤلاء الأنصار أفأنت منهم ؟ قال : لا . ثم قرأ عليه { والذين جاؤوا من بعدهم } الآية ، ثم قال : أفمن هؤلاء أنت ؟ قال : أرجو . قال : لا ليس من هؤلاء من يسب هؤلاء .

وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عمر أنه بلغه أن رجلاً نال من عثمان ، فدعاه فأقعده بين يديه ، فقرأ عليه { للفقراء المهاجرين } الآية قال : من هؤلاء أنت ؟ قال : لا . ثم قرأ { والذين جاؤوا من بعدهم } الآية ، قال : من هؤلاء أنت ؟ قال : أرجو أن أكون منهم . قال : لا والله ما يكون منهم من يتناولهم وكان في قلبه الغل عليهم .

وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ { ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا } .

وأخرج الحكيم الترمذي والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال : «بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يطلع الآن رجل من أهل الجنة فأطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته ماء من وضوئه ، معلق نعليه في يده الشمال ، فلما كان من الغد ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فاطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولى ، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، فأطلع ذلك الرجل ، فلما قام الرجل أتبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال : إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تحل يميني فعلت . قال : نعم ، قال أنس : فكان عبدالله بن عمرو يحدث أنه بات معه ليلة فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه كان إذا تقلب على فراشه ذكر الله وكبر ، حتى يقوم لصلاة الفجر فيسبغ الوضوء غير أني لا أسمعه يقول إلا خيراً ، فلما مضت الليالي الثلاث وكدت احتقر عمله قلت : يا عبدالله إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات في ثلاث مجالس يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ، فأطلعت أنت تلك المرات الثلاث ، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك ، فإذا ما هو إلا ما رأيت فانصرفت عنه فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلاّ ما قد رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلاً لأحد من المسلمين ، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه ، فقال له عبدالله بن عمرو : هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق » .

وأخرج الحكيم الترمذي عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : «بلغنا أن رجلاً صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرف قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا الرجل من أهل الجنة . قال عبدالله بن عمرو : فأتيته فقلت : يا عماه الضيافة ، قال نعم ، فإذا له خيمة وشاة ونخل ، فلما أمسى خرج من خيمته فاحتلب العنز واجتنى لي رطباً ثم وضعه ، فأكلت معه فبات نائماً وبت قائماً ، وأصبح مفطراً ، وأصبحت صائماً ، ففعل ذلك ثلاث ليال ، فقلت له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيك : إنك من أهل الجنة فأخبرني ما عملك ؟ فائت الذي أخبرك حتى يخبرك بعملي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ائته فمره أن يخبرك . فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تخبرني . قال : أما الآن فنعم فقال : لو كانت الدنيا لي فأخذت مني لم أحزن عليها ، ولو أعطيتها لم أفرح بها وأبيت وليس في قلبي غل على أحد قال عبدالله : لكني والله أقوم الليل وأصوم النهار ولو وهبت لي شاة لفرحت بها ، ولو ذهبت لحزنت عليها ، والله لقد فضلك الله علينا فضلاً بيناً » .