تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

وقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } ؟ إنكار على من يَعد عدَةً ، أو يقول قولا لا يفي به ، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا ، سواء ترتب عليه غُرم للموعود أم لا . واحتجوا أيضا من السنة بما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حَدَّث كذب ، إذا وَعَد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " {[28767]} وفي الحديث الآخر في الصحيح : " أربع من كن فيه كان منافقا خالصًا ، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خَصْلَة من نفاق حتى يَدَعها " {[28768]} - فذكر منهن إخلاف الوعد . وقد استقصينا الكلام على هذين الحديثين في أول " شرح البخاري " ، ولله الحمد والمنة . ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله : { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ }

وقد روى الإمام أحمدُ وأبو داود ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في بيتنا ]{[28769]} وأنا صبي قال : فذهبت لأخرج لألعب ، فقالت أمي : يا عبد الله : تعال أعطك . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما أردت أن تُعطِيه ؟ " . قالت : تمرا . فقال : " أما إنك لو لم تفعلي كُتِبت عليك كِذْبة " {[28770]}

وذهب الإمام مالك ، رحمه الله ، إلى أنه إذا تعلق بالوعد غُرم على الموعود وجب الوفاء به ، كما لو قال لغيره : " تزوج ولك علي كل يوم كذا " . فتزوجَ ، وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك ، لأنه تعلق به حق آدمي ، وهو مبني على المضايقة . وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقا ، وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فَرضِيَّة الجهاد عليهم ، فلما فرض نكل عنه بعضهم ، كقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } [ النساء : 77 ، 78 ] . وقال تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نزلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } الآية [ محمد : 20 ] وهكذا هذه الآية معناها ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لَوَدِدْنَا أن الله - عز وجل - دلنا على أحب الأعمال إليه ، فنعملَ به . فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمانٌ به{[28771]} لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به . فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين ، وشق عليهم أمره ، فقال الله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } ؟ . وهذا اختيار ابن جرير{[28772]} .

وقال مقاتل بن حَيّان : قال المؤمنون : لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا به . فدلهم الله على أحب الأعمال إليه ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا } فبين لهم ، فابتلوا يوم أحد بذلك ، فولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين ، فأنزل الله في ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } ؟ وقال : أحبكم إلي من قاتل في سبيلي .

ومنهم من يقول : أنزلت في شأن القتال ، يقول الرجل : " قاتلت " ، ولم يقاتل{[28773]} وطعنت " ولم يطعن و " ضربت " ، ولم يضرب و " صبرت " ، ولم يصبر .

وقال قتادة ، والضحاك : نزلت{[28774]} توبيخًا لقوم كانوا يقولون : " قتلنا ، ضربنا ، طعنا ، وفعلنا " . ولم يكونوا فعلوا ذلك .

وقال ابن يزيد : نزلت في قوم من المنافقين ، كانوا يَعدون المسلمين النصرَ ، ولا يَفُون لهم بذلك .

وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : { لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } ؟ ، قال : في الجهاد .

2


[28767]:- (5) صحيح البخاري برقم (33) وصحيح مسلم برقم (59) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[28768]:- (6) صحيح البخاري برقم (34) وصحيح مسلم برقم (58) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
[28769]:- (1) زيادة من المسند.
[28770]:- (2) المسند (3/447) وسنن أبي داود برقم (4991).
[28771]:- (3) في م: "إيمان بالله".
[28772]:- (4) تفسير الطبري (28/56).
[28773]:- (5) في م: "ولم أقاتل".
[28774]:- (6) في م: "أنزلت".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

وقوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ } يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين آمنوا صدّقوا الله ورسوله ، لم تقولون القول الذي لا تصدّقونه بالعمل ، فأعمالكم مخالفة أقوالكم { كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ } يقول : عظم مقتا عند ربكم قولكم ما لا تفعلون .

واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أُنْزلت هذه الآية ، فقال بعضهم : أُنزلت توبيخا من الله لقوم من المؤمنين ، تمنوا معرفة أفضل الأعمال ، فعرّفهم الله إياه ، فلما عرفوا قصروا ، فعوتبوا بهذه الآية .

ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ } قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يُفرض الجهاد يقولون : لوددنا أن الله دلنا على أحبّ الأعمال إليه ، فنعمل به ، فأخبر الله نبيه أن أحبّ الأعمال إليه إيمان بالله لا شكّ فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقرّوا به فلما نزل الجهاد ، كره ذلك أُناس من المؤمنين ، وشقّ عليهم أمره ، فقال الله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ } .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ }قال : كان قوم يقولون : والله لو أنا نعلم ما أحبّ الأعمال إلى الله لعملناه ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتا . . . } إلى قوله { بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ }فدلهم على أحبّ الأعمال إليه .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن محمد بن جحادة ، عن أبي صالح ، قال : قالوا : لو كنا نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله وأفضل ، فنزلت : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ }فكرهوا ، فنزلت : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ } .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله { لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ . . . إلى قوله : مَرْصُوصٌ }فيما بين ذلك في نفر من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة ، قالوا في مجلس : لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله لعملنا بها حتى نموت ، فأنزل الله هذا فيهم ، فقال عبد الله بن رواحة : لا أزال حبيسا في سبيل الله حتى أموت ، فقُتل شهيدا .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في توبيخ قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها ، فيقول فعلت كذا وكذا ، فعذلهم الله على افتخارهم بما لم يفعلوا كذبا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ }قال : بلغني أنها كانت في الجهاد ، كان الرجل يقول : قاتلت وفعلت ، ولم يكن فعل ، فوعظهم الله في ذلك أشدّ الموعظة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ }يؤذنهم ويعلمهم كما تسمعون كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ وكانت رجال تخبر في القتال بشيء لم يفعلوه ولم يبلغوه ، فوعظهم الله في ذلك موعظة بليغة ، فقال : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ . . . إلى قوله : كأنّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ } .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ أنزل الله هذا في الرجل يقول في القتال ما لم يفعله من الضرب والطعن والقتل قال الله : { كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ } .

وقال آخرون : بل هذا توبيخ من الله لقوم من المنافقين ، كانوا يَعِدُونَ المؤمنين النصر وهم كاذبون .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ }يقول للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : لو خرجتم خرجنا معكم ، وكنا في نصركم ، وفى ، وفى ، فأخبرهم أنه { كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ } .

وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : عنى بها الذين قالوا : لو عرفنا أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا به ، ثم قصروا في العمل بعدما عرفوا .

وإنما قلنا : هذا القول أولى بها ، لأن الله جلّ ثناؤه خاطب بها المؤمنين ، فقال : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا }ولو كانت نزلت في المنافقين لم يسموْا ، ولم يوصفوا بالإيمان ، ولو كانوا وصفوا أنفسهم بفعل ما لم يكونوا فعلوه ، كانوا قد تعمدوا قيل الكذب ، ولم يكن ذلك صفة القوم ، ولكنهم عندي أمّلوا بقولهم : لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله عملناه أنهم لو علموا بذلك عملوه فلما علموا ضعفت قوى قوم منهم ، عن القيام بما أملوا القيام به قبل العلم ، وقوي آخرون فقاموا به ، وكان لهم الفضل والشرف .

واختلفت أهل العربية في معنى ذلك ، وفي وجه نصب قوله : كَبُرَ مَقْتا فقال بعض نحويي البصرة : قال : كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ : أي كبر مقتكم مقتا ، ثم قال : { أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ } : أذى قولكم . وقال بعض نحويي الكوفة : قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ } : كان المسلمون يقولون : لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله لأتيناه ، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا فلما كان يوم أُحد ، نزلوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى شُجّ ، وكُسرت رباعيته ، فقال : { لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ } ، ثم قال : { كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ }كبر ذلك مقتا : أي فأن في موضع رفع ، لأن كبر كقوله : بئس رجلاً أخوك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

واختلف الناس في السبب الذي نزلت فيه : { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } فقال ابن عباس وأبو صالح : نزلت بسبب أن جماعة قالوا : لوددنا أن نعرف أحب الأعمال إلى ربنا حتى نفنى فيه ، ففرض الله الجهاد وأعلمهم بفضله لديه وأنه يحب المقاتلين في سبيله كالبنيان المرصوص ، وكان إذ فرض قد تكرهه قوم منهم ، وفر من فر يوم أحد فعاتبهم الله بهذه الآية بسبب أو جماعة من شباب المسلمين كانوا يتحدثون عن أنفسهم في الغزو بما لم يفعلوا ويقولون فعلنا وصنعنا وذلك كذب ، فنزلت الآية في ذلك . وقال ابن زيد : نزلت في المنافقين لأن جملة منهم كانوا يقولون للمؤمنين نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك ، فنزلت الآية عتاباً لهم ، وحكم هذه الآية باق غابر الدهر ، وكل من يقول ما لا يفعل ، فهو ممقوت مذق الكلام{[11067]} ، والقول الآخر في المنافقين إنما يتوجه بأن يكونوا غير مجلحين بالنفاق{[11068]} فلذلك خوطبوا بالمؤمنين أي في زعمكم وما تظهرون ، والقول الأول يترجح بما يأتي بعد من أمر الجهاد والقتال .


[11067]:من معاني كلمة "المذاق": الكذب وعدم الإخلاص.
[11068]:يعني: ركبوا رءوسهم في النفاق ومضوا فيه إلى غايته.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} يقول تعالى ذكره:"يا أيها الذين آمنوا "صدّقوا الله ورسوله، لم تقولون القول الذي لا تصدّقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم.

{كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ} يقول: عظم مقتا عند ربكم قولكم ما لا تفعلون.

واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أُنْزلت هذه الآية؛

فقال بعضهم: أُنزلت توبيخا من الله لقوم من المؤمنين، تمنوا معرفة أفضل الأعمال، فعرّفهم الله إياه، فلما عرفوا قصروا، فعوتبوا بهذه الآية...

حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يُفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحبّ الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحبّ الأعمال إليه إيمان بالله لا شكّ فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقرّوا به فلما نزل الجهاد، كره ذلك أُناس من المؤمنين، وشقّ عليهم أمره، فقال الله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ}...

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في توبيخ قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها، فيقول فعلت كذا وكذا، فعذلهم الله على افتخارهم بما لم يفعلوا كذبا...

وقال آخرون: بل هذا توبيخ من الله لقوم من المنافقين، كانوا يَعِدُونَ المؤمنين النصر وهم كاذبون...

وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: عنى بها الذين قالوا: لو عرفنا أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا به، ثم قصروا في العمل بعدما عرفوا.

وإنما قلنا: هذا القول أولى بها، لأن الله جلّ ثناؤه خاطب بها المؤمنين، فقال: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا} ولو كانت نزلت في المنافقين لم يسموْا، ولم يوصفوا بالإيمان، ولو كانوا وصفوا أنفسهم بفعل ما لم يكونوا فعلوه، كانوا قد تعمدوا قيل الكذب، ولم يكن ذلك صفة القوم، ولكنهم عندي أمّلوا بقولهم: لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله عملناه أنهم لو علموا بذلك عملوه فلما علموا ضعفت قوى قوم منهم، عن القيام بما أملوا القيام به قبل العلم، وقوي آخرون فقاموا به، وكان لهم الفضل والشرف.

واختلفت أهل العربية في معنى ذلك، وفي وجه نصب قوله: كَبُرَ مَقْتا فقال بعض نحويي البصرة: قال: كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ: أي كبر مقتكم مقتا، ثم قال: {أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ}: أذى قولكم. وقال بعض نحويي الكوفة: قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ}: كان المسلمون يقولون: لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله لأتيناه، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا فلما كان يوم أُحد، نزلوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى شُجّ، وكُسرت رباعيته، فقال: {لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ}، ثم قال: {كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ} كبر ذلك مقتا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ويجوز أن تكون هذه الآية في كل مؤمن، لأنه قد اعتقد كل من آمن بإيمانه الوفاء بما وعده من الطاعة لله تعالى والاستسلام له والخضوع. فلما لم يف بما وعد خيف عليه في كل زلة أن يدخل في هذه الآية، وليس أحد من المؤمنين قد وفى بما وعد كله، والواجب عليه أن يتوب من ذلك توبة بليغة.

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

قال أبو بكر: يُحتجّ به في أن كل من ألزم نفسه عباده أو قربة وأوجب على نفسه عقداً لزمه الوفاء به، إذْ تَرْكُ الوفاء به يوجب أن يكون قائلاً ما لا يفعل، وقد ذمّ الله فاعل ذلك. وهذا فيما لم يكن معصية، فأما المعصية فإن إيجابها في القول لا يُلزمه الوفاء بها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، وإنما يلزم ذلك فيما عَقَدَهُ على نفسه مما يتقرب به إلى الله عز وجل، مثل النذور وفي حقوق الآدميين العقود التي يتعاقدونها، وكذلك الوعد بفعلٍ يفعله في المستقبل وهو مباح، فإن الأوْلى الوفاء به مع الإمكان...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

هذه الآية وإن كان ظاهرها الإنكار لمن قال ما لا يفعل، فالمراد بها الإنكار لمن لم يفعل ما قال...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

وفي الجملة: خلفُ الوعدِ مع كلِّ أحَدٍ قبيحٌ، ومع الله أقبح...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

والآية وإن كانت عامة فإنها في بعض الصحابة دون البعض، فإن الله تعالى قال في موضع آخر: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} وهذا دليل ظاهر على أن الآية في هذه السورة لم ترد في حق جميعهم على العموم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

قال مرهباً بنداء البعد والتوبيخ الذي من مبادئ الغضب والإنكار بالاستفهام والتعبير بما يفهم أدنى مراتب الإيمان: {يأيها الذين آمنوا} أي ادعوا الإيمان {لم} {تقولون} أي من دعوى الإيمان التي مقتضاها إلزام الإخلاص في جميع الأحوال {ما لا تفعلون} أي ما لا تصدقونه بالفعل الذي يكون بغاية الرغبة والقوة فتتخذوا العدو ولياً بالإقبال عليه وإرسال التنصح إليه وقد تلفظتم بالإيمان الذي يستلزم المعاداة لكل من كفر، وخلف الوعد في نفسه قبيح ومع الخالق أقبح.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يعاتب الله الذين آمنوا عتابا شديدا على أمر حدث من طائفة منهم. أمر يكرهه الله أشد الكره، ويمقته أكبر المقت، ويستفظعه من الذين آمنوا على وجه الخصوص: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون. إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا، كأنهم بنيان مرصوص.. ثم يعاتب الله الذين آمنوا عتابا شديدا على أمر حدث من طائفة منهم. أمر يكرهه الله أشد الكره، ويمقته أكبر المقت، ويستفظعه من الذين آمنوا على وجه الخصوص: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون. إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا، كأنهم بنيان مرصوص...

. قال علي بن طلحة عن ابن عباس قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فقال الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون...).. وقد اختار ابن جرير في تفسيره هذا القول. وقال ابن كثير في تفسيره: " وحملوا الآية -يعني الجمهور- على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض نكل عنه بعضهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ناداهم بوصف الإِيمان تعريضاً بأن الإِيمان من شأنه أن يزع المؤمن عن أن يخالف فعلُه قولَه في الوعد بالخير. واللام لتعليل المستفهم عنه وهو الشيء المبْهم الذي هو مدلول {ما} الاستفهامية لأنها تدل على أمر مبهم يطلب تعيينه. والتقدير: تقولون مَا لاَ تفعلون لأي سبب أو لأية علّة. وهذا كناية عن تحذيرهم من الوقوع في مثل ما فعلوه يوم أحد بطريق الرمز، وكناية عن اللوم على ما فعلوه يوم أحد بطريق التلويح. وتعقيب الآية بقوله: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً} [الصف: 4] الخ. يؤذن بأن اللوم على وعد يتعلق بالجهاد في سبيل الله. وبذلك يلتئم معنى الآية مع حديث الترمذي في سبب النزول وتندحض روايات أخرى رويت في سبب نزولها ذكرها في « الكشاف». وفيه تعريض بالمنافقين إذ يظهرون الإِيمان بأقوالهم وهم لا يعملون أعمال أهل الإِيمان بالقلب ولا بالجسد. قال ابن زيد: هو قول المنافقين للمؤمنين نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} هذا هو الخط الإيماني الذي يريد الله من المؤمنين أن يتحركوا فيه، على أساس أنّ الإيمان ليس مجرد كلمةٍ تقال، ولا تمنياتٍ تعيش في دائرة الشعور، بل هو عقيدةٌ تجتذب الفعل، وشعور يتحرك في الموقف. فالمضمون الإيماني في الإسلام يعني العقيدة والشريعة والمنهج...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

{يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون}. وعلى الرغم من أنّ سبب نزول الآية كما مرّ بنا كان متعلّقاً بالجهاد في سبيل الله، وما حدث من فرار في غزوة اُحد، ولكن يستفاد من الآية سعة المفهوم الذي تعرّضت له، وبهذا تستوعب كلّ قول لا يقترن بعمل ويستحقّ اللوم والتوبيخ، سواء يتعلّق بالثبات في ميدان الجهاد أو أي عمل إيجابي آخر.