تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

يقول تعالى مخبرًا عن موسى ، عليه السلام{[22236]} ، لما قتل ذلك القبطي : إنه أصبح { فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا } أي : من مَعَرّة ما فعل ، { يَتَرَقَّبُ } أي : يتلفت ويتوقع{[22237]} ما يكون من هذا الأمر ، فمر في بعض الطرق ، فإذا ذاك{[22238]} الذي استنصره بالأمس على ذلك القبطي يقاتل آخر ، فلما مر موسى ، استصرخه على الآخر ، فقال له موسى : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ } أي : ظاهر الغواية كثير الشر .


[22236]:- في ت : "صلى الله عليه وسلم".
[22237]:- في هـ ، ت : "أي يتقلب أي يتوقع" والمثبت من ف ، أ.
[22238]:- في ت ، ف : "ذلك".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقّبُ فَإِذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىَ إِنّكَ لَغَوِيّ مّبِينٌ } .

يقول تعالى ذكره : فأصبح موسى في مدينة فرعون خائفا من جنايته التي جناها ، وقتله النفس التي قتلها أن يُؤخذ فيقتل بها يَتَرقّبُ يقول : يترقب الأخبار : أي ينتظر ما الذي يتحدّث به الناس ، مما هم صانعون في أمره وأمر قتيله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني العباس بن الوليد ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا أصبغ بن زيد ، قال : حدثنا القاسم عن أبي أيوب ، قال : حدثنا سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس فأصْبَحَ فِي المَدِينَةِ خائِفا يَتَرَقّبُ قال : خائفا من قتله النفس ، يترقب أن يؤخذ .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّي : فأصْبَح في المَدِينَةِ خائِفا يَتَرَقّبُ قال : خائفا أن يُؤخذ .

وقوله : فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ يقول تعالى ذكره : فرأى موسى لما دخل المدينة على خوف مترقبا الأخبار عن أمره وأمر القتيل ، فإذا الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس على الفرعونيّ يقاتله فرعونيّ آخر ، فرآه الإسرائيلي فاستصرخه على الفرعونيّ . يقول : فاستغاثه أيضا على الفرعونيّ ، وأصله من الصّراخ ، كما يقال : قال بنو فلان : يا صباحاه ، قال له موسى : إنّكَ لَغَوِيّ مُبِينٌ يقول جَلّ ثناؤه : قال موسى للإسرائيلي الذي استصرخه ، وقد صادف موسى نادما على ما سلف منه من قتله بالأمس القتيل ، وهو يستصرخه اليوم على آخر : إنك أيها المستصرخ لغويّ : يقول : إنك لذو غواية ، مبين : يقول : قد تبيّنت غوايتك بقتلك أمس رجلاً ، واليوم آخر . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني العباس ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا أصبغ بن زيد ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : أتِي فرعون ، فقيل له : إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلاً من آل فرعون ، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم في ذلك ، قال : ابغوني قاتله ومن يشهد عليه ، لا يستقيم أن نقضي بغير بينة ولا ثَبَتَ فاطّلبوا ذلك ، فبينما هم يطوفون لا يجدون شيئا ، إذ مرّ موسى من الغد ، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعونيّ ، فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس ، وكره الذي رأى ، فغضب موسى ، فمدّ يده وهو يريد أن يبطش بالفرعونيّ ، فقال للإسرائيلي لِما فعل بالأمس واليوم إنّكَ لَغَوِيّ مُبِينٌ ، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال هذا ، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس إذ قتل فيه الفرعونيّ ، فخاف أن يكون بعد ما قال له : إنّكَ لَغَوِيّ مُبِينٌ إياه أراد ، ولم يكن أراده ، إنما أراد الفرعونيّ ، فخاف الإسرائيلي فحاجه ، فقال يا مُوسَى أَتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بالأَمْسِ ؟ إنّ تُرِيدُ إلا أنْ تكُونَ جَبّارا فِي الأرْضِ وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله ، فتتاركا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد عن قَتادة : فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قال : الاستنصار والاستصراخ واحد .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ يقول : يستغيثه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما قتل موسى القتيل ، خرج فلحق بمنزله من مصر ، وتحدّث الناس بشأنه ، وقيل : قتل موسى رجلاً حتى انتهى ذلك إلى فرعون ، فأصبح موسى غاديا الغَدَ ، وإذا صاحبه بالأمس معانق رجلاً آخر من عدوّه ، فقال له موسى : إنّكَ لَغَوِيّ مُبِينٌ أمس رجلاً ، واليوم آخر ؟ .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جُبَير والشّيْباني ، عن عكرِمة ، قال : الذي استنصره : هو الذي استصرخه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

وقوله تعالى { فأصبح } عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول : أصبح زيد عالماً ، و { يترقب } معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس ، قال ابن عباس : فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من القبط ، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثاً ومنه قول الشاعر [ سلامة بن جندل ] : [ البسيط ]

كنا إذا ما أتانا صارخ فزع . . . كان الصراخ له فزع الظنابيب{[9127]}

فلما رأى موسى قتاله لآخر أعظم ذلك وقال له معاتباً ومؤنباً { إنك لغوي مبين } وكانت إرادة موسى مع ذلك أن ينصر الإسرائيلي فلما دنا منهما خشي الإسرائيلي وفزع منه وظن أنه ربما ضربه وفزع من قوته التي رأى بالأمس فناداه بالفضيحة وشهر أمر المقتول .


[9127]:البيت لسلامة بن جندل، والصارخ: المستغيث، وفي المثل: "عبد صريخه أمة" أي: ناصره أذل منه، والصراخ: الإغاثة والنجدة، وفي التنزيل العزيز: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي}، والظنابيب جمع ظنبوب، وهو حرف العظم اليابس من السابق، والبيت في (اللسان- ظنب) قال بعد أن البيت: "عنى بذلك سرعة الإجابة، وجعل قرع السوط على ساق الخف في زجر الفرس قرعا للظنبوب"، ثم قال: "قرع الظنبوب أن يقرع الرجل ظنبوب راحلته بعصاه إذا أناخها ليركبها ركوب المسرع إلى الشيء". هذا وقد سبق الاستشهاد بهذا البيت (الجزء الثامن ص 228 هامش 1).