قد تقدم الكلام على هذه الآية الكريمة ، وهي قوله : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [ لِمَنْ يَشَاءُ ]{[8330]} } الآية [ النساء : 48 ] ، وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة .
وقد روى الترمذي حديث ثُوَيْر{[8331]} بن أبي فَاخِتَة سعيد بن عَلاقَةَ ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : ما في القرآن آية أحب إليَّ من هذه الآية : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ]{[8332]} } الآية ، ثم قال : حسن غريب{[8333]} .
وقوله : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا } أي : فقد سلك غير{[8334]} الطريق الحق ، وضل عن الهدى وبعد عن الصواب ، وأهلك نفسه وخسرها{[8335]} في الدنيا والآخرة ، وفاتته سعادة الدنيا والآخرة .
{ إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الله لا يغفر لطعمة إذ أشرك ومات على شركه بالله ولا لغيره من خلقه بشركهم وكفرهم به¹ { وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ } يقول : ويغفر ما دون الشرك بالله من الذنوب لمن يشاء ، يعني بذلك جلّ ثناؤه : أن طعمة لولا أنه أشرك بالله ومات على شركه لكان في مشيئة الله على ما سلف من خيانته ومعصيته ، وكان إلى الله أمره في عذابه والعفو عنه . وكذلك حكم كل من اجترم جرما ، فإلى الله أمره ، إلا أن يكون جرمه شركا بالله وكفرا ، فإنه ممن حتم عليه أنه من أهل النار إذا مات على شركه ، فإذا مات على شركه ، فقد حرّم الله عليه الجنة ، ومأواه النار .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { أنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشَرَكَ بِه وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لَمِنْ يَشاءُ } يقول : من يجتنب الكبائر من المسلمين .
وأما قوله : { وَمَنْ يُشْرِكْ باللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً بَعِيدا } فإنه يعني : ومن يجعل لله في عبادته شريكا ، فقد ذهب عن طريق الحقّ ، وزال عن قصد السبيل ذهابا بعيدا وزوالاً شديدا . وذلك أنه باشراكه بالله في عبادته ، فقد أطاع الشيطان وسلك طريقه وترك طاعة الله ومنهاج دينه ، فذاك هو الضلال البعيد والخسران المبين .
ثم أوجب تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به ، وقد مضى تفسير مثل هذه الآية وما يتصل بها من المتعقد والبعد في صفة الضلال ، مقتض بعد الرجوع إلى المحجة البيضاء وتعذره{[4281]} وإن بقي غير مستحيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.