وقوله : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ } قال ابن جرير : { ثُمَّ رُدُّوا } يعني : الملائكة { إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ }
ونذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد [ عن أبي هريرة في ذكر صعود الملائكة بالروح من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عَزَّ وجل ]{[10751]} حيث قال : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يَسَار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يُعْرَج بها إلى السَّماء فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان ، فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة وأبْشري بروح وريحان ورب غير غضبان . فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عَزَّ وجل . وإذا كان الرجل السوء ، قالوا : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان ، فيقال : لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنه لا يفتح لك أبواب السماء . فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر ، فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول ، ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول{[10752]}
هذا حديث غريب{[10753]}
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ } يعني : الخلائق كلهم إلى الله يوم القيامة ، فيحكم فيهم بعدله ، كما قال [ تعالى ]{[10754]} { قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [ الواقعة : 49 ، 50 ] ، وقال { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } إلى قوله : { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 47 - 49 ] ؛ ولهذا قال : { مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ رُدّوَاْ إِلَىَ اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : ثم ردّت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحقّ . ألا لَهُ الحُكْمُ يقول : ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه . وَهُوَ أسْرَعُ الحاسِبِينَ يقول : وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس ، وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها ، لأنه لا يحسب بعقد يَدٍ ، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية ، و لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرّةٍ في السّمَوَاتِ ولا في الأَرْضِ ولا أصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ ولا أَكْبَرُ إلاّ في كِتَابٍ مُبِينٍ .
والضمير في { ردوا } عائد على المتقدم ذكرهم ، ويظهر أن يعود على العباد فهو إعلام برد الكل ، وجاءت المخاطبة بالكاف في قوله { عليكم } تقريباً للموعظة من نفوس السامعين ، و { مولاهم } لفظ عام لأنواع الولاية التي تكون بين الله وبين عبيده من الرزّق والنصرة والمحاسبة والملك وغير ذلك ، وقوله { الحق } نعت ل { مولاهم } ، ومعناه الذي ليس بباطل ولا مجاز ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والأعمش «الحقَّ » بالنصب ، وهو على المدح ، ويصح على المصدر ، { ألا له الحكم } ابتداء كلام مضمنه التنبيه وهز نفس السامع ، «الحكم » تعريفه للجنس أي جميع أنواع التصرفات في العباد و { أسرع الحاسبين } متوجه على أن الله عز وجل حسابه لعبيده صادر عن علمه بهم فلا يحتاج في ذلك إلى إعداد ولا تكلف سبحانه لا رب غيره ، وقيل لعلي بن أبي طالب كيف يحاسب الله العباد في حال واحدة ؟ قال : كما يرزقهم في حال واحدة في الدنيا .
الضمير في قوله : { رُدّوا } عائد إلى { أحد } باعتبار تنكيره الصادق بكلّ أحد ، أي ثمّ يُردّ المتوفَّوْن إلى الله . والمراد رجوع الناس إلى أمر الله يوم القيامة ، أي ردّوا إلى حكمه من نعيم وعذاب ، فليس في الضمير التفات .
والمولى هنا بمعنى السيد ، وهو اسم مشترك يطلق على السيد وعلى العبد .
و { الحقّ } بالجرّ صفة ل { مولاهم } ، لما في { مولاهم } من معنى مالكهم ، أي مالكهم الحقّ الذي لا يشوب مِلكه باطلٌ يُوهن ملكه . وأصل الحقّ أنَّه الأمر الثابت فإن كلّ ملك غير ملك الخالقية فهو مشوب باستقلال مملوكه عنه استقلالاً تفاوتاً ، وذلك يُوهن المِلك ويضعف حقّيّته .
وجملة : { ألا لَهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين } تذييل ولذلك ابتدىء بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر . والعرب يجعلون التذييلات مشتملة على اهتمام أو عموم أو كلام جامع .
وقدّم المجرور في قوله { له الحكم } للاختصاص ، أي له لا لغيره ، فإن كان المراد من الحكم جنس الحكم فقصره على الله إمَّا حقيقي للمبالغة لعدم الاعتداد بحكم غيره ، وإمَّا إضافي للردّ على المشركين ، أي ليس لأصنامكم حكم معه ، وإن كان المراد من الحكم الحساب ، أي الحكم المعهود يوم القيامة ، فالقصر حقيقي . وربَّما ترجَّح هذا الاحتمال بقوله عقبه : { وهو أسرع الحاسبين } أي ألاَ له الحساب ، وهو أسرع من يحاسب فلا يتأخَّر جزاؤه .
وهذا يتضمَّن وعداً ووعيداً لأنَّه لمَّا أتي بحرف المهلة في الجمل المتقدّمة وكان المخاطبون فريقين : فريق صالح وفريق كافر ، وذكر أنَّهم إليه يرجعون كان المقام مقام طماعية ومخالفة ؛ فالصالحون لا يحبّون المهلة والكافرون بعكس حالهم ، فعُجِّلت المسرّة للصالحين والمساءة للمشركين بقوله : { وهو أسرع الحاسبين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.