يذكرهم تعالى سَالفَ نعمه على آبائهم وأسلافهم ، وما كان فَضَّلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم ، كما قال تعالى : { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ الدخان : 32 ] ، وقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 20 ] .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان ؛ فإن لكل زمان عالما .
ورُوي عن مجاهد ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، وإسماعيل بن أبي خالد نحوُ ذلك ، ويجب الحمل على هذا ؛ لأن هذه الأمة أفضل منهم ؛ لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } [ آل عمران : 110 ] وفي المسانيد والسنن{[1706]} عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم تُوفُونَ سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله " . والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }
[ وقيل : المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ، ولا يلزم تفضيلهم مطلقًا ، حكاه فخر الدين الرازي وفيه نظر . وقيل : إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم ، حكاه القرطبي في تفسيره ، وفيه نظر ؛ لأن { الْعَالَمِينَ } عام يشتمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء ، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم ، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ]{[1707]} .
{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِي الّتِيَ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّي فَضّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }
قال أبو جعفر : وتأويل ذلك في هذه الآية نظير تأويله في التي قبلها في قوله : اذْكُرُوا نِعْمَتِي الّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وأوْفُوا بعَهْدِي وقد ذكرته هنالك .
القول في تأويل قوله تعالى : وأنّي فَضّلْتُكُمْ على العَالمِينَ .
قال أبو جعفر : وهذا أيضا مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم . ويعني بقوله : وأنّي فَضّلْتُكُمْ عَلى العَالَمِينَ : أني فضلت أسلافكم ، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم ، إذ كانت مآثر الاَباء مآثر للأبناء ، والنعم عند الاَباء نعما عند الأبناء ، لكون الأبناء من الاَباء ، وأخرج جلّ ذكره قوله : وأنّي فَضّلْتُكُمْ على العَالَمِينَ مخرج العموم ، وهو يريد به خصوصا لأن المعنى : وإني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه . كالذي :
حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وأنّي فَضّلْتُكُمْ عَلى العَالَمِينَ قال : فضلهم على عالم ذلك الزمان .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : وأنّي فَضّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان ، فإن لكل زمان عالما .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد في قوله : وأنّي فَضّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ قال : على من هم بين ظهرانيه .
وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : على من هم بين ظهرانيه .
وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله : وأنّي فَضّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ قال : عالم أهل ذلك الزمان . وقرأ قول الله : وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلى العَالَمِينَ قال : هذه لمن أطاعه واتبع أمره ، وقد كان فيهم القردة وهم أبغض خلقه إليه ، وقال لهذه الأمة : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ قال : هذه لمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب محارمه .
قال أبو جعفر : والدليل على صحة ما قلنا من أن تأويل ذلك على الخصوص الذي وصفنا ما :
حدثني به يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر جميعا ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ألا إنّكُمْ وَفّيْتُمْ سَبْعِين أُمّةً » قال يعقوب في حديثه : «أنتم آخرها » . وقال الحسن : «أنتم خيرها وأكرمها على الله » . فقد أنبأ هذا الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وأن معنى قوله : وَفَضّلْناهُمْ عَلَى العَالَمِينَ وقوله : وأنّي فَضّلْتُكُمْ عَلى العَالَمِينَ على ما بينا من تأويله . وقد أتينا على بيان تأويل قوله : العَالَمِينَ بما فيه الكفاية في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته .
{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } كرره للتأكيد وتذكير التفضيل الذي هو أجل النعم خصوصا ، وربطه بالوعيد الشديد تخويفا لمن غفل عنها وأخل بحقوقها .
{ وأني فضلتكم } عطف على نعمتي .
{ على العالمين } أي عالمي زمانهم ، يريد به تفضيل آبائهم الذين كانوا في عصر موسى عليه الصلاة والسلام وبعده ، قبل أن يضروا بما منحهم الله تعالى من العلم والإيمان والعمل الصالح ، وجعلهم أنبياء وملوكا مقسطين . واستدل به على تفضيل البشر على الملك وهو ضعيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.