يخبر تعالى أنه يُريدُ أن يبين لكم - أيها المؤمنون - ما{[7153]} أحل لكم وحرم عليكم ، مما تقدم ذكره في هذه السورة وغيرها ، { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } يعني : طرائقهم الحميدة واتباع{[7154]} شرائعه التي يحبها ويرضاها { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي من الإثم{[7155]} والمحارم ، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله .
{ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ } حلاله وحرامه ، { وَيهْدِيَكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } يقول وليسددكم سنن الذين من قبلكم ، يعني : سبل من قبلكم من أهل الإيمان بالله وأنبيائه ومناهجهم ، فيما حرم عليكم من نكاح الأمهات والبنات والأخوات ، وسائر ما حرم عليكم في الاَيتين اللتين بين فيهما ما حرم من النساء . { ويَتُوبَ عَلَيْكُمْ } يقول : يريد الله أن يرجع بكم إلى طاعته في ذلك مما كنتم عيه من معصيته في فعلكم ذلك قبل الإسلام ، وقبل أن يوحي ما أوحى إلى نبيه من ذلك عليكم ، ليتجاوز لكم بتوبتكم عما سلف منكم من قبيح ذلك قبل إنابتكم وتوبتكم . { وَاللّهُ عَلِيمٌ } يقول : والله ذو علم بما يصلح عباده في أديانهم ودنياهم ، وغير ذلك من أمورهم ، وبما يأتون ويذرون ما أحلّ أو حرّم عليهم حافظ ذلك كله عليهم ، حكيم بتدبيره فيهم في تصريفهم فيما صرفهم فيه .
واختلف أهل العربية في معنى قوله : { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ } فقال بعضهم : معنى ذلك ، يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم ، وقال : ذلك كما قال : { وَأُمِرْتُ لاِءَعْدِلَ بَيْنُكُمْ } بكسر اللام ، لأن معناه : أمرت بهذا من أجل ذلك .
وقال آخرون : معنى ذلك : يريد الله أن يبين لكم ، ويهديكم سنن الذين من قبلكم¹ وقالوا : من شأن العرب التعقيب بين كي ولام كي وأن ، ووضع كل واحدة منهنّ موضع كل واحدة من أختها مع أردت وأمرت ، فيقولون : أمرتك أن تذهب ولتذهب ، وأردت أن تذهب ولتذهب ، كما قال الله جلّ ثناؤه : { وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ } ، وقال في موضع آخر : «وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوّلَ مَن أسْلَمَ » ، وكما قال : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ } ، ثم قال في موضع آخر : { يُرِيدُونَ أنْ يُطْفِئُوا } واعتلوا في توجيههم «أن » مع «أمرت » و«أدت » إلى معنى «كي » وتوجيه «كي » مع ذلك إلى معنى «أن » لطلب «أردت » و«أمرت » الاستقبال ، وأنها لا يصلح معها الماضي ، لا يقال : أمرتك أن قمت ولا أردت أن قمت . قالوا : فلما كانت «أن » قد تكون مع الماضي في غير «أردت » و«أمرت » ، ذكروا لها معنى الاستقبال بما لا يكون معه ماض من الأفعال بحال ، من «كي » واللام التي في معنى «كي »¹ قالوا : وكذلك جمعت العرب بينهنّ أحيانا في الحرف الواحد ، فقال قائلهم في الجمع :
أرَدْتَ لِكَيْما أنْ تَطِيرَ بِقِرْبَتِي ***فَتَتْرُكَهَا شَنّا بِبَيْدَاءَ بَلْقَعِ
فجمع بينهنّ لاتفاق معانيهنّ واختلاف ألفاظهنّ ، كما قال الاَخر :
ذ المَالَ الهِدانُ الجافِي ***بغير لا عَصْفٍ ولا اصْطِرَافِ
فجمع بين «غير » و«لا » ، توكيدا للنفي¹ قالوا : وإنما يجوز أن يجعل «أن » مكان كي ، وكي مكان أن في الأماكن التي لا يصحب جالب ذلك ماض من الأفعال أو غير المستقبل¹ فأما ما صحبه ماض من الأفعال وغير المستقبل فلا يجوز ذلك . لا يجوز عندهم أن يقال : ظننت ليقوم ، ولا أظنّ ليقوم ، بمعنى : أظنّ أن يقوم ، لأن التي تدخل مع الظن تكون مع الماضي من الفعل ، يقال : أظنّ أن قد قام زيد ومع المستقبل ومع الأسماء .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : إن اللام في قوله : { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ } بمعنى : يريد الله أن يبين لكم¹ لما ذكرت من علة من قال إن ذلك كذلك .
{ يريد الله ليبن لكم } ما تعبدكم به من الحلال والحرام ، أو ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن أعمالكم ، وليبين مفعول يريد واللام زيدت لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة كما في قول قيس بن سعد :
أردت لكيما يعلم الناس أنه *** سراويل قيس والوفود شهود
وقيل المفعول محذوف ، وليبين مفعول له أي يريد الحق لأجله . { ويهديكم سنن الذين من قبلكم } مناهج من تقدمكم من أهل الرشد لتسلكوا طرقهم . { ويتوب عليكم } ويغفر لكم ذنوبكم ، أو يرشدكم إلى ما يمنعكم عن المعاصي ويحثكم على التوبة ، أو إلى ما يكون كفارة لسيئاتكم . { والله عليم } بها { حكيم } في وضعها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.