قال شعبة{[27391]} بن الحجاج ، عن سِمَاك ، عن خالد بن عَرْعَرَة أنه سمع عليا وشعبة أيضًا ، عن القاسم بن أبي بزَّة ، عن أبي الطُّفَيْل ، سمع عليًا . وثبت أيضًا من غير وجه ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : أنه صعد منبر الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله ، ولا عن سنة عن رسول الله ، إلا أنبأتكم بذلك . فقام إليه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ، ما معنى قوله تعالى : { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا } ؟ قال : الريح [ قال ] {[27392]} : { فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا } ؟ قال : السحاب . [ قال ]{[27393]} : { فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا } ؟ قال : السفن . [ قال ] {[27394]} : { فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا } ؟ قال : الملائكة {[27395]} .
وقد روي في ذلك حديث مرفوع ، فقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن هانئ ، حدثنا سعيد بن سلام العطار ، حدثنا أبو بكر بن أبي سَبْرَة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : جاء صَبِيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن { الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا } ؟ فقال : هي الرياح ، ولولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته . قال : فأخبرني عن { الْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا } قال : هي الملائكة ، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته . قال : فأخبرني عن { الْجَارِيَاتِ يُسْرًا } قال : هي السفن ، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته . ثم أمر به فضرب مائة ، وجعل في بيت ، فلما برأ {[27396]} [ دعا به و ] {[27397]} ضربه مائة أخرى ، وحمله على قَتَب ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : امنع الناس من مجالسته . فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف بالأيمان الغليظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا . فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب عمر : ما إخاله إلا صدق ، فخل بينه وبين مجالسة الناس .
قال أبو بكر البزار : فأبو بكر بن أبي سبرة لين ، وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث {[27398]} .
قلت : فهذا الحديث ضعيف رفعه ، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر ، فإن قصة صَبِيغ بن عسل مشهورة مع عمر {[27399]} ، وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا ، والله أعلم .
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة {[27400]} . وهكذا فسرها ابن عباس ، وابن عمر ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد . ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك .
وقد قيل : إن المراد بالذاريات : الريح كما تقدم وبالحاملات وقرًا : السحاب كما تقدم ؛ لأنها تحمل الماء ، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل :
وَأسْلَمْتُ نَفْسي لمَنْ أسْلَمَتْ *** لَهُ المزْنُ تَحْمِلُ عَذْبا زُلالا {[27401]}
فأما الجاريات يسرًا ، فالمشهور عن الجمهور - كما تقدم - : أنها السفن ، تجري ميسرة في الماء جريا سهلا . وقال بعضهم : هي النجوم تجري يسرا{[27402]} في أفلاكها ، ليكون ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى ، إلى ما هو أعلى منه ، فالرياح فوقها السحاب ، والنجوم فوق ذلك ، والمقسمات أمرا الملائكة فوق ذلك ، تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية . وهذا قسم من الله عز جل على وقوع المعاد ؛ ولهذا قال : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالذّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسّمَاتِ أَمْراً * إِنّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنّ الدّينَ لَوَاقِعٌ } .
يقول تعالى ذكره وَالذّارِياتِ ذَرْوا يقول : والرياح التي تذرو التراب ذروا ، يقال : ذرت الريح التراب وأذرت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا هنّاد بن السّريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عُرعرة ، قال : قام رجل إلى عليّ رضي الله عنه ، فقال : ما الذاريات ذروا ، فقال : هي الريح .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سِماك ، قال : سمعت خالد بن عرعرة ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه وقد خرج إلى الرحْبة ، وعليه بُرْدان ، فقالوا : لو أن رجلاً سأل وسمع القوم ، قال : فقام ابن الكوّاء ، فقال : ما الذاريات ذَرْوا ؟ فقال : هي الرياح .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد الهلالي ومحمد بن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، قال : حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي ، قال : حدثنا أبو الحويرث ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم ، أخبره ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه يخطب الناس ، فقام عبد الله بن الكوّاء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى : وَالذّارِياتِ ذَرْوا قال : هي الرياح .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، قال : سُئل عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، عن الذاريات ذَرْوا ، فقال : الريح .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطّفيل ، عن عليّ وَالذّارِياتِ ذَرْوا قال : الريح .
قال : مهران ، حُدّثنا عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، قال : سألت عليا رضي الله عنه عن وَالذّارِياتِ ذَرْوا فقال : الريح .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، قال : سمعت أبا الطفيل ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه عنه يقول : لا تسألوني عن كتاب ناطق ، ولا سنة ماضية ، إلا حدّثتكم ، فسأله ابن الكوّاء عن الذاريات ، فقال : هي الرياح .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا طلق ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن عليّ بن ربيعة ، قال : سأل ابن الكوّاء عليا رضي الله عنه ، فقال : وَالذّارِياتِ ذَرْوا قال : هي الريح .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد الله بن رفيع ، عن أبي الطفيل ، قال : قال ابن الكوّاء لعلي رضي الله عنه : ما الذاريات ذَرْوا ؟ قال : الريح .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني يحيى بن أيوب ، عن أبي صخرة ، عن أبي معاوية البجليّ ، عن أبي الصهباء البكريّ ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : وهو على المنبر لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته ، فقام ابن الكوّاء ، وأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغٌ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : ما الذاريات ذروا ؟ قال عليّ : الرياح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن رجلاً سأل عليا عن الذاريات ، فقال : هي الرياح .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبي الطفيل ، قال سأل ابن الكوّاء عليا ، فقال : ما الذاريات ذروا ؟ قال : الرياح .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالذّارِياتِ ذَرْوا قال : كان ابن عباس يقول : هي الرياح .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَالذّارِياتِ قال : الرياح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.