التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الذاريات

في السورة توكيد بالبعث والحساب ، وحملة شديدة على المكذبين الجاحدين وتنويه بالمتقين وأعمالهم الصالحة ومصائرهم في الآخرة ، وفصل قصصي مقتضب عن بعض الأنبياء والأمم بينه وبين مواقف النبي صلى الله عليه وسلم والكفار تماثل ، وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت له ، وآياتها متساوقة متوازية مما يسوّغ القول بأنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والذاريات 1 ذروا 1 فالحاملات وقرا2 2 فالجاريات 3 يسرا 3 فالمقسمات 4أمرا 4 إنما توعدون لصادق 5 وإن الدين5 لواقع 6 } [ 1-6 ] .

1 الذاريات : كناية عن الرياح التي تذرو التراب أي تثيره وتحركه . وفي سورة الكهف آية فيها هذا المعنى صريح وهي : { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح }[ 45 ] .

2 الحاملات وقرا : الوقر هو الحملة ، والجملة كناية عن الحساب الذي يكون حاملا للماء

3 الجاريات يسرا : السفن التي تجري في البحر بسهولة أو الرياح الجارية في مهابها أو الكواكب الجارية في منازلها حسب تعدد الأقوال التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل في الصدر الإسلامي الأول .

4 المقسمات أمرا : المنفذون لأوامر الله وهم الملائكة أو السحب التي تقسم الأمطار على الأرض حسب تعدد الأقوال التي يرويها المفسرون .

5 الدين : الجزاء . والكلمة كناية عن البعث الذي يكون فيه جزاء كل نفس بما كسبت .

ابتدأت السورة بالأقسام الربانية جريا على الأسلوب القرآني في عدد غير قليل من السور المكية وبخاصة القصيرة . وقد قصد بها توكيد كون ما يوعد به الناس من البعث والجزاء ، وهو وعد صادق وأمر واقع حتما .

وروح الآيات وإن كانت تلهم أنها في صدد إنذار السامعين المخاطبين عامة فإن أسلوبها والآيات التالية لها تدل على أن المقصود بالإنذار هم الكفار .

ويلحظ شيء من التساوق بين هذا المطلع وبين خاتمة سورة الأحقاف من حيث توكيد البعث والجزاء مما يمكن أن يكون فيه قرينة على صحة ترتيب نزول هذه السورة بعد تلك .

والمتبادر أن الإقسام بالمقسومات التي هي مشاهد كون الله ونواميسه وعظيم خلقه قد انطوت على قصد التذكير بعظمة خالق الكون وقدرته على تحقيق ما أوعد الناس به .