تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (100)

يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم ، والنعيم المقيم .

قال الشعبي : السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية .

وقال أبو موسى الأشعري ، وسعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين ، والحسن ، وقتادة : هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال محمد بن كعب القرظي : مرَّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ : { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ } فأخذ عمر بيده فقال : من أقرأك هذا ؟ فقال : أبيُّ بن كعب . فقال : لا تفارقني حتى أذهب بك إليه . فلما جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا ؟ قال : نعم . قال : وسمعتَها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ، فقال أبيُّ : تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ الجمعة : 3 ] وفي سورة الحشر : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ } [ الحشر : 10 ] وفي الأنفال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } [ الأنفال : 75 ] إلى آخر الآية ، رواه ابن جرير{[13798]} قال : وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤها برفع " الأنصار " عطفا على { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ }

فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان : فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم ، ولا سيما سيدُ الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم ، أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة ، رضي الله عنه ، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويُبغضونهم ويَسُبُّونهم ، عياذًا بالله من ذلك . وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة ، وقلوبهم منكوسة ، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن ، إذ يسبُّون من رضي الله عنهم ؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه ، ويسبون من سبه الله ورسوله ، ويوالون من يوالي الله ، ويعادون من يعادي الله ، وهم متبعون لا مبتدعون ، ويقتدون ولا يبتدون ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون .


[13798]:- تفسير الطبري (14/438).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (100)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : والذين سبقوا الناس أولاً إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم وفارقوا منازلهم وأوطانهم ، والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله : والّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بإحْسانٍ يقول : والذين سلكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، طَلَبَ رضا الله ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .

واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله : والسّابِقُونَ الأوّلُونَ فقال بعضهم : هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان أو أدركوا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن إسماعيل ، عن عامر : والسّابِقُونَ الأوّلُونَ قال : من أدرك بيعة الرضوان .

قال : حدثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، عن عامر ، قال : المُهاجِرُونَ الأوّلُونَ من أدرك البيعة تحت الشجرة .

حدثنا ابن بشار ، قال حدثنا يحيى ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : المُهاجِرُونَ الأوّلون الذين شهدوا بيعة الرضوان .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن مطرف ، عن الشعبيّ ، قال : المهاجرون الأوّلون : من كان قبل البيعة إلى البيعة فهم المهاجرون الأولون ، ومن كان بعد البيعة فليس من المهاجرين الأوّلين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل ومطرّف عن الشعبي ، قال : السّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ هم الذين بايعوا بيعة الرضوان .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن داود ، عن عامر ، قال : فصل ما بين الهجرتين بيعة الرضوان ، وهي بيعة الحُديبية .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ومطرّف ، عن الشعبي ، قال : هم الذين بايعوا بيعة الرضوان .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبثر أبو زبيد ، عن مطرف ، الشعبي ، قال : المهاجرون الأوّلون : من أدرك بيعة الرضوان .

وقال آخرون : بل هم الذين صلوا القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن قيس ، عن عثمان الثقفي ، عن مولى لأبي موسى ، عن أبي موسى ، قال : المهاجرون الأوّلون : مَنْ صلى القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن مولى لأبي موسى ، قال : سألت أبا موسى الأشعري ، عن قوله : السّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ قال : هم الذين صلوا القبلتين جميعا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي هلال ، عن أبي قتادة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : لم سموا المهاجرين الأوّلين ؟ قال : من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم القبلتين جميعا ، فهو من المهاجرين الأوّلين .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : المهاجرون الأوّلون : الذين صلوا القبلتين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيّبِ ، قوله : السّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ قال : هم الذين صلوا القبلتين جميعا .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عباس بن الوليد ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن بعض أصحابه ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، وعن أشعث ، عن ابن سيرين في قوله : السّابِقُونَ الأوّلُونَ قال : هم الذين صلوا القبلتين .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد ، قال : المهاجرون الأوّلون : الذين صلوا القبلتين .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : السّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ قال : هم الذين صلوا القبلتين جميعا .

وأما الذين اتبعوا المهاجرين الأوّلين والأنصار بإحسان ، فهم الذين أسلموا لله إسلامهم وسلكوا منهاجهم في الهجرة والنصرة وأعمال الخير . كما :

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب ، قال : مرّ عمر برجل وهو يقرأ هذه الآية : السّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصَارِ والّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بإحْسانٍ قال : من أقرأك هذه الآية ؟ قال أقرأنيها أبيّ بن كعب . قال : لا تفارقني حتى أذهب بك إليه فأتاه فقال : أنت أقرأت هذا هذه الآية ؟ قال نعم ، قال : وسمعَتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لقد كنت أرانا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا . قال : وتصديق ذلك في أوّل الآية التي في أوّل الجمعة ، وأوسط الحشر ، وآخر الأنفال أما أوّل الجمعة : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ، وأوسط الحشر : وَالّذِينَ جَاءُوا مِنَ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوانِنا الّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمَانِ ، وأما آخر الأنفال : والّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وجَاهَدُوا مَعَكُمْ فأولَئِكَ مِنْكُمْ .

حدثنا أبو كريب ، حدثنا الحسن بن عطية ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : مرّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ : السّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصَارِ . . . حتى بلغ : وَرَضُوا عَنْهُ قال : وأخذ عمر بيده فقال : من أقرأك هذا ؟ قال : أبيّ بن كعب . فقال : لا تفارقني حتى أذهب بك إليه فلما جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا ؟ قال : نعم ، قال : أنت سمعَتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، قال : لقد كنت أظن أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ، فقال أبيّ : بلى تصديق هذه الآية في أوّل سورة الجمعة : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ . . . إلى : وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ، وفي سورة الحشر : وَالّذِينَ جَاءُوا مِنَ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوانِنا الّذِينَ سَبَقُونَا بالإِيمَانِ ، وفي الأنفال : والّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وجَاهَدُوا مَعَكُمْ فأُلَئِكَ مِنْكُمْ . . . إلى آخر الآية .

ورُوِي عن عمر في ذلك ما :

حدثني به أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن حبيب بن الشهيد ، وعن ابن عامر الأنصاري ، أن عمر بن الخطاب قرأ : «السّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارُ الّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بإحْسانٍ » فرفع «الأنصار » ولم يلحق الواو في «الذين » ، فقال له زيد بن ثابت : «والذين اتبعوهم بإحسان » ، فقال عمر : «الذين اتبعوهم بإحسان » . فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم فقال عمر : ائتوني بأبيّ بن كعب فأتاه فسأله عن ذلك ، فقال أبي : والّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بإحْسانٍ فقال عمر : إذا نُتابع أبيّا .

والقراءة على خفض «الأنصار » عطفا بهم على «المهاجرين » . وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ : «الأنصارُ » بالرفع عطفا بهم على «السابقين » .

والقراءة التي لا أستجيز غيرها الخفض في «الأنصار » ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وأن السابق كان من الفريقين جميعا من المهاجرين والأنصار . وإنما قصد الخبر عن السابق من الفريقين دون الخبر عن الجميع ، وإلحاق الواو في «الذين اتبعوهم بإحسان » ، لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين جميعا ، على أن التابعين بإحسان غير المهاجرين والأنصار . وأما السابقون فإنهم مرفوعون بالعائد من ذكرهم في قوله : رَضِي اللّهُ عَنْهُمْ ورضُوا عَنْهُ . ومعنى الكلام : رضي الله عن جميعهم لما أطاعوه وأجابوا نبيه إلى ما دعاهم إليه من أمره ونهيه ، ورضي عنه السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم إياه وإيمانهم به وبنبيه عليه الصلاة والسلام ، وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار يدخلونها خالدين فيها لابثين فيها أبدا لا يموتون فيها ولا يخرجون منها ، ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ .