بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (100)

قوله تعالى :

{ والسابقون الأولون } وهم الذين صلوا إلى القبيلتين ، { مِنَ المهاجرين والأنصار } ، وشهدوا بدراً . عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب من المهاجرون الأولون ؟ قال : من صلَّى إلى القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو من المهاجرين الأولين وقال السدي : كانت الهجرة قبل أن تفتح مكة ، فلما فتحت مكة كان من أسلم بعده ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو تابع .

وروي عن مجاشع بن مسعود النهدي أنه جاء بابن أخيه ليبايعه على الهجرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا بَلْ بَايِعْ عَلَى الإِسْلامِ ، فَإِنَّهُ لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفْتَحِ وَيَكُونُ مِنَ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ » . قرأ العامة { والأنصار } بالكسر ، وقرأ الحضرمي { والأنصار } بالضم . فمن قرأ بالضم فهو عطف على السابقين التابعين ومعناه والسابقون والأنصار ، ومن قرأ بالكسر فهو عطف على المهاجرين ومعناه ومن المهاجرين ومن الأنصار .

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقرأ : { الذين * اتبعوهم بِإِحْسَانٍ } بغير واو ، وقراءة العامة بالواو ، فمن قرأ بغير واو يكون نعتاً للأنصار ، ومن قرأ بالواو يكون نعتاً لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة .

وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقرأ هذه الآية { والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ } فقال له عمر : من أقرأك هذه الآية ؟ فقال : أقرأنيها أُبيّ بن كعب . فقال لا تفارقني حتى أذهب بك إليه . فلما جاءه قال : يا أُبَيّ ، أنت أقرأته هذه الآية هكذا ؟ قال : نعم . قال : أنت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : كنت أظن أنا قد ارتفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا . قال أُبيّ : تصديق هذه الآية أول سورة الجمعة ، وأوسط سورة الحشر وآخر سورة الأنفال . أما أول سورة الجمعة { وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ العزيز الحكيم } [ الجمعة : 3 ] وأوسط سورة الحشر { والذين جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا ولإخواننا الذين سَبَقُونَا بالإيمان وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ الحشر : 10 ] وآخر سورة الأنفال { والذين ءَامَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وجاهدوا مَعَكُمْ فأولئك مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله إِنَّ الله بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } [ الأنفال : 75 ] .

وقال الشعبي : { السابقون الأولون } من أدرك بيعة الرضوان وبايع تحت الشجرة . { والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ } ، يعني : على دينهم بإحسانهم ، { رَّضِىَ الله عَنْهُمْ } بأعمالهم ، { وَرَضُواْ عَنْهُ } ، يعني : عن الله تعالى بثوابه لهم في الجنة . { وَأَعَدَّ لَهُمْ جنات تَجْرِي من تَحْتَهَا الأنهار } . قرأ ابن كثير { جنات تجري مِن تَحْتِهَا الأنهار } بزيادة من ، وقرأ الباقون { جنات تَجْرِي تَحْتَهَا الانهار } بغير من صار { تَحْتِهَا } نصباً لنزع الخافض . { خالدين فِيهَا أَبَداً ذلك الفوز العظيم } ، يعني : الثواب الوافر .