تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (4)

ثم نبه على خلق جنس الإنسان { مِنْ نُطْفَةٍ } أي : ضعيفة مهينة ، فلما استقل ودَرَج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ، ويحارب رسله ، وهو إنما خلق ليكون عبدًا لا ضدًا ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } [ الفرقان : 54 ، 55 ] ، وقال : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 77 ، 79 ] .

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن بُسْر بن جَحَّاش قال : بصق رسول الله في كفه ، ثم قال : " يقول الله : ابن آدم ، أنَّى تُعجِزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت ، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : أتصدقُ . وأنى أوان الصدقة ؟ " {[16319]} .


[16319]:المسند (4/210) وسنن ابن ماجه برقم (2707) وقال البوصيري في الزوائد (2/365): "إسناد صحيح رجاله ثقات، ورواه أحمد في مسنده من حديث بسر، وأصله في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة".