تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (4)

الآية 4 : وقوله تعالى : { خلق الإنسان من نطفة } يذكرهم سبحانه وتعالى نعمه عليهم وقدرته وسلطانه وعلمه ، لأنه لو اجتمع الخلائق كلهم أن يدركوا المعنى الذي به تصير النطفة نسمة وإنسانا ما قدروا عليه حين{[10031]} خلق النطفة إنسانا على أحسن تقويم وأحسن صورة .

وفيه نقض قول الدهرية حين{[10032]} أنكروا خلق الشيء من لا شيء لأنهم لم يدركوا المعنى الذي خلق الإنسان من نطفة ، فيلزمهم أن يقروا بخلق الشيء من لا شيء ، وإن لم يشاهدوا ذلك ، ولم يدركوا .

وفيه دلالة البعث لأن من قدر على إنشاء الإنسان من النطفة ، وليس فيها من آثار الإنسان شيء ، يقدر على البعث وإنشاء الأشياء من لا شيء .

وقوله تعالى : { فإذا هو خصيم مبين } قال بعضهم : الخصيم هو الذي يجادل بالباطل { مبين } أي ظاهرة مجادلته بالباطل ومخاصمته . وقال بعضهم : الخصيم هو الجدل الذي يجادل في ما كان .

قل أبو عوسجة : الخصيم هو المخاصم والمخاصم ، كلاهما خصيم . ويقال : فلان خصمي مبين ظاهرة خصومته .

والخصيم هو الفعيل ، والفعيل قد يستعمل في موضع الفاعل والمفعول جميعا . فكأنه قال : { فإذا هو خصيم مبين } أي منقطع عن الخصومة ، بين انقطاعه ، وهو ما ذكر من خصومته في آية أخرى وانقطاع حجته حين{[10033]} قال : { أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين } { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم } ( يس : 77 و 78 ) فهذا احتجاج عليه . فإذا انقطعت حجته ، بهت الذي أنكر قدرته على البعث لأنه{[10034]} لم يتهيأ له جواب ما احتج عليه .


[10031]:في الأصل وم: حيث.
[10032]:في الأصل وم: حيث.
[10033]:في الأصل وم: حيث.
[10034]:في الأصل وم: حيث.