الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (4)

قوله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍْْ } متعلِّقٌ ب " خَلَق " و " مِنْ " لابتداءِ الغاية . والنُّطْفَةُ : القَطْرَةُ من الماء ، نَطَفَ رأسُه ماءً ، أي : قَطَر . وقيل : هي الماء الصافي ويُعَبَّرُ بها عن ماءِ الرجل ، ويُكْنَى بها عن اللؤلؤة ، ومنه صبيٌّ مُنَطَّف : إذا كان في أذنه لُؤْلؤة ، ويقال : ليلة نَطُوف : إذا جاء فيها مطرٌ . والناطِف : ما سال من المائعاتِ ، نَطَفَ يَنْطِفُ ، أي : سال فهو ناطِفٌ . وفرنٌ يَنْطِفُ بسوءٍ .

قوله : { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ } عَطَفَ هذه الجملةَ على ما قبلَها . فإن قيل : الفاءُ تدلُّ على التعقيب ، ولا سيما وقد وُجِدَ معها " إذا " التي تقتضي المفاجَأةَ ، وكونُه خصيماً مبيناً لم يَعْقُبْ خَلْقَه مِنْ نُطْفة ، إنما توسَّطَتْ بينهما وسائطُ كثيرةٌ . فالجوابُ من وجهين ، أحدُهما : أنه من باب التعبير عن حال الشيءِ بما يَؤُول إليه ، كقولِه تعالى : { أَعْصِرُ خَمْراً } [ يوسف : 36 ] . والثاني : أنه أشار بذلك إلى سُرْعَةِ نِسْيانهم مَبْدَأَ خَلْقِهم . وقيل : ثَمَّ وسائِطُ محذوفةٌ . والذي يظهر أنَّ قولَه " خَلَقَ " عبارةٌ عن إيجاده وتربيتِه إلى أن يبلغَ حدَّ هاتين الصفتين .

و " خصيم " فَعِيْل ، مثالُ مبالغةٍ مِنْ خَصَم بمعنى اختصم ، ويجوز أن يكونَ مُخاصِم كالخَلِيط والجَلِيس .