فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (4)

{ خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( 4 ) }

ثم لما كان نوع الإنسان أشرف أنواع المخلوقات السفلية قدمه وخصه بالذكر فقال : { خَلَقَ الإِنسَانَ } وهو اسم لجنس هذا النوع { مِن نُّطْفَةٍ } أي من جماد يخرج من حيوان وهو المني فقلبه أطوارا إلى أن كملت صورته ونفخ فيه الروح وأخرجه من بطن أمه إلى هذه الدار فعاش فيها ومن لابتداء الغاية وانتهاؤها محذوف كما قرره الكرخي والنطفة القطرة من الماء يقال نطف رأسه ماء أي قطر ، وقيل هي الماء الصافي ويعبر بها عن ماء الرجل والمرأة جمعها نطف ونطاف ولا يستعمل للنطفة فعل من لفظها .

{ فَإِذَا هُوَ } بعد خلقه على هذه الصفة { خَصِيمٌ } كثير الخصومة والمجادلة والمعنى أنه كالمخاصم لله سبحانه في قدرته { مُّبِينٌ } ظاهر الخصومة وواضحها ، وقيل يبين عن نفسه ما يخاصم به من الباطل والمبين هو المفصح عما في ضميره بمنطقه ومثله قوله تعالى : { أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين } قيل نزلت في أبي بن خلف والأولى أنها عامة في كل ما يقع من الخصومة في الدنيا ويوم القيامة فإنه لا اعتبار بخصوص السبب إذا اقتضى المقام العموم كما تقرر .

قال الكرخي : أن هذه ذكرت لتقرير الاستدلال على وجود الصانع الحكيم لا لتقرير وقاحة الناس وتماديهم في الغي والكفر .