لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (201)

{ ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } يعني المؤمنين . واعلم أن الله تعالى قسم الداعين فريقين البعث : فريق اقتصروا في الدعاء على طلب الدنيا وهم الكفار ، لأنهم كانوا لا يعتقدون البعث والآخرة ، والفريق الثاني : هم المؤمنون الذين جمعوا في الدعاء بين طلب الدنيا والآخرة ، وذلك لأن الإنسان خلق ضعيفاً محتاجاً لا طاقة له بآلام الدنيا ومتاعبها ، فالأولى له أن يستعيذ بالله من شرها وآلامها ، لأنه لو اضطرب على الإنسان عرق من عروقه ، لشوش عليه حياته في الدنيا ، وتعطل عن الاشتغال بطاعة الله تعالى فثبت بذلك أن طلب الدنيا في الدعاء من أمر الدين ، فلذلك قال الله تعالى : إخباراً عن المؤمنين : { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } قيل : إن الحسنة في الدنيا عبارة عن الصحة والأمن والكفاية والتوفيق إلى الخير والنصر على الأعداء والولد الصالح والزوجة الصالحة ( م ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة " وقيل : الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة وقيل : الحسنة في الدنيا الرزق الحلال والعمل الصالح وفي الآخرة المغفرة والثواب . وقيل : من آتاه الله الإسلام والقرآن وأهلاً ومالاً فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة يعني في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية . ( م ) عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خف فصار مثل الفرخ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه ؟ قال : نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله لا تطيقه ولا تستطيعه أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " قال : فدعا الله به فشفاه ( ق ) عن أنس بن مالك . قال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . " عن عبد الله بن السائب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الركنين : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " أخرجه أبو داود .