الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (201)

أما قوله تعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } الآيات .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون : اللهم اجعله عام غيث ، وعام خصب ، وعام ولاد حسن ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئا ، فأنزل فيهم { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } ويجيء بعدهم آخرون من المؤمنين { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } فأنزل الله فيهم { أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } .

وأخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير قال : كان الناس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم : اللهم ارزقني إبلا . وقال الآخر : اللهم ارزقني غنما ، فأنزل الله { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } إلى قوله { سريع الحساب } .

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك في قوله { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون : اللهم اسقنا المطر ، وأعطنا على عدونا الظفر ، وردنا صالحين إلى صالحين .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : كانوا يقولون : ربنا آتنا رزقا ونصرا ، ولا يسألون لآخرتهم شيئا فنزلت .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبو يعلى عن أنس قال : كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن حبان وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غادر رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ المنتوف ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل كنت تدعو الله بشيء ؟ قال : نعم ، كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله . ! إذن لا تطيق ذلك ولا تستطيعه ، فهلا قلت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ؟ ودعا له فشفاه الله " .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن أبي حاتم عن أنس . أن ثابتا قال له : إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم . فقال : اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . فأعاد عليه فقال : تريدون أن أشقق لكم الأمور إذا أتاكم الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار ، فقد آتاكم الخير كله .

وأخرج الشافعي وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن السائب . أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والحجر " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكا يقول آمين ، فإذا مررتم عليه فقولوا : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " .

وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس . أن ملكا موكلا بالركن اليماني منذ خلق الله السموات والأرض يقول : آمين آمين . فقولوا : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

وأخرج ابن ماجة والجندي في فضائل مكة عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن الركن اليماني وهو في الطواف فقال : حدثني أبو هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وكل به سبعون ملكا فمن قال : اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . قال : آمين " .

وأخرج الأزرقي عن ابن أبي نجيح قال : كان أكثر كلام عمر وعبد الرحمن بن عوف في الطواف : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن حبيب بن صهبان الكاهلي قال : كنت أطوف بالبيت وعمر بن الخطاب يطوف ما له إلا قوله : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ما له هجيرى غيرها .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة . أنه كان يستحب أن يقال في أيام التشريق : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجها إلى أهله : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : كانوا أصنافا ثلاثة في تلك المواطن يومئذ : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون ، وأهل الكفر ، وأهل النفاق { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } إنما حجوا للدنيا والمسألة لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } والصنف الثالث ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) ( البقرة الآية 204 ) .

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل ؟ قال : تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، ثم أتاه من الغد فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل ؟ قال : تسأل ربك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ، ثم أتاه من الغد فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل ؟ قال : تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، ثم أتاه من اليوم الرابع فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل ؟ قال : تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت " .

وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } قال : عافية { وفي الآخرة حسنة } قال : عافية .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والذهبي في فضل العلم والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن في قوله { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } قال : الحسنة في الدنيا العلم والعبادة ، وفي الآخرة الجنة .

وأخرج ابن جرير عن السدي قال : حسنة الدنيا المال ، وحسنة الآخرة الجنة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } قال : الرزق الطيب ، والعلم النافع .

وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال : المرأة الصالحة من الحسنات .

وأخرج ابن المنذر عن سالم بن عبد الله بن عمر { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } قال : الثناء .