{ فمن يعمل مثقال ذرة . . . } تفصيل للرائين وما يرونه . و " مثقال ذرة " أي مقدار وزن أصغر نملة . أو ما يرى من الهباء في شعاع الشمس الداخل من الكوة ؛ وهو مثل في القلة . وعن ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خير أو شرا في الدنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة ؛ فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته ، فيغفر له سيئاته ، ويثيبه بحسناته . وأما الكافر فيرى حسناته وسيئاته ، فيرد حسناته ، ويعذبه بسيئاته . وقوله : " فيرد حسناته " أي لا يثيبه عليها ؛ لكفره وهو محبط للعمل . وإن خفف عنه العذاب بسببها ؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك .
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }فيُقَاسي عناءَه . ...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } جزاء المؤمن في الدنيا بالأحزان والمصائب ، والكافر في الآخرة . ...
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
هذا على عمومه في حق الكافر ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ومن يعمل } أي كائناً من كان { مثقال ذرة شراً } أي من جهة الشر { يره } فما فوقه ، فالمؤمن يراه ويعلم أنه قد غفر له ليشتد فرحه ، والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه ، والذرة النملة الصغيرة ، أو الهباءة التي ترى طائرة في الشعاع الداخل من الكوة ، وقد رجع آخرها على أولها بتحديث الأخبار وإظهار الأسرار ....
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها .
( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . .
ذرة . . كان المفسرون القدامى يقولون : إنها البعوضة . وكانوا يقولون : إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس . . . فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة . . .
فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الاسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة . أما الذرة فلا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي " رؤيا " في ضمير العلماء ! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها !
فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ! . . .
عندئذ لا يحقر " الإنسان " شيئا من عمله . خيرا كان أو شرا . ولا يقول : هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن . إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله ارتعاشة ذلك الميزان الدقيق الذي ترجح به الذرة أو تشيل !
إن هذا الميزان لم يوجد له نظير أو شبيه بعد في الأرض . . إلا في القلب المؤمن . .
القلب الذي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر . . . وفي الأرض قلوب لا تتحرك للجبل من الذنوب والمعاصي والجرائر . . ولا تتأثر وهي تسحق رواسي من الخير دونها رواسي الجبال . .
إنها قلوب عتلة في الأرض ، مسحوقة تحت أثقالها تلك في يوم الحساب ! !
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تفريع على قوله : { ليروا أعمالهم } [ الزلزلة : 6 ] تفريع الفذلكة ، انتقالاً للترغيب والترهيب بعد الفراغ من إثبات البعث والجزاء ، والتفريعُ قاض بأن هذا يكون عقب ما يصدر الناس أشتاتاً .
والمثقال : ما يعرف به ثِقَل الشيء ، وهو ما يُقَدَّر به الوزن وهو كميزاننٍ زِنةً ومعْنًى .
والذّرة : النملة الصغيرة في ابتداء حياتها .
و { مثقال ذرة } مثَل في أقل القلة وذلك للمؤمنين ظاهر وبالنسبة إلى الكافرين فالمقصود ما عملوا من شر ، وأما بالنسبة إلى أعمالهم من الخير فهي كالعدم فلا توصف بخير عند الله لأن عمل الخير مشروط بالإِيمان قال تعالى : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بِقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً } [ النور : 39 ] .
وإنما أعيد قوله : { ومن يعمل } دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإِطناب .
وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة ففي « الموطأ » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخيلُ لثلاثة " الحديث . فسُئل عن الحُمُر فقال : لم يُنْزَل عَليَّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذَّة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } . وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : هذه أحكم آية في القرآن ، وقال الحسن : قَدِم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئ النبي القرآن فقرأ عليه هذه الآية فقال صَعصعة : حسبي فقد انتهت الموعظة لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها . وقال كعب الأحبار : « لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإِنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره .
وإذ قد كان الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير ...
روى الواحدي عن مقاتل : أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا بالمدينة أحدهما لا يبالي من الذنوب الصغائر ويركبها ، والآخر يحب أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من أن يتصدق به فنزلت الآية فيهما .
ومن أجل هذه الرواية قال جمع : إن السورة مدنية . ولو صحّ هذا الخبر لما كان مقتضياً أن السورة مدنية لأنهم كانوا إذا تلوا آية من القرآن شاهداً يظنها بعض السامعين نزلت في تلك القصة كما بيناه في المقدمة الخامسة .
{ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } هذا على عمومه في حق الكافر ، وأما المؤمنون فلا يجازون بذنوبهم إلا بستة شروط : وهي أن تكون ذنوبهم كبائر ، وأن يموتوا قبل التوبة منها ، وأن لا تكون لهم حسنات أرجح في الميزان منها ، وأن لا يشفع فيهم ، وأن لا يكون ممن استحق المغفرة بعمل كأهل بدر ، وأن لا يعفو الله عنهم فإن المؤمن العاصي في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .
ولما ذكر الخير ، أتبعه ضده فقال : { ومن يعمل } أي كائناً من كان { مثقال ذرة شراً } أي من جهة الشر { يره } فما فوقه ، فالمؤمن يراه ويعلم أنه قد غفر له ليشتد فرحه ، والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه ، والذرة النملة الصغيرة ، أو الهباءة التي ترى طائرة في الشعاع الداخل من الكوة ، وقد رجع آخرها على أولها بتحديث الأخبار وإظهار الأسرار ، وقد ورد في حديث الأعرابي أن هذه السورة جامعة لهذه الآية الأخيرة ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إنها أحكم آية في القرآن ، وكان رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم يسميها الفاذة الجامعة ، ومن فقه ذلك لم يحقر ذنباً وإن دق ؛ لأنه يجتمع إلى أمثاله فيصير كبيراً كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : " إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالباً " .
وروي كما ذكرته في كتابي " مصاعد النظر في الإشراف على مقاصد السور " في حديث " إنها تعدل نصف القرآن " ، وفي حديث آخر أنها تعدل ربع القرآن ، ولا تعارض ، فالأول نظر إليها من جهة أن الأحكام تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة ، وهذه السورة اشتملت على أحكام الآخرة إجمالاً ، وزادت على القارعة بإخراج الأثقال ، وأن كل أحد يرى كل ما عمل ، والثاني نظر إليه باعتبار ما تضمنه الحديث الذي رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر " ، فاقتضى هذا الحديث أن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دل عليه القرآن ، وأيضاً فأمر الدين أربعة أجزاء : أمر المعبود ، وأمر العبيد ، وأمر العبادة ، وأمر الجزاء ، فهذه السورة تكفلت بأمر الجزاء ، وسورة الكافرون ربع ؛ لأنها في أمر العبادة على وجه الخصوص والخفاء ، وإن كانت على وجه التمام والوفاء ، وسورة النصر ربع ؛ لأنها لأمر العبادة على وجه العموم والجلاء والظهور والعلاء ، والله الهادي للصواب ، وإليه المآب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.