{ ومن شر النفاثات في العقد } النفث : شبيه بالنفخ ، وقيل : هو النفخ مع ريق قليل . والنفاثات : النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين . قال ابن القيم : إنهم إذا سحروا استعانوا على تأثير فعلهم بنفث يمازجه بعض أجزاء أنفاسهم الخبيثة ؛ أي أعوذ بالله من شر هؤلاء المفسدين . وقيل النفاثات : جمع نفّاثة ؛ كعلاّمة ونسّابة ، يستعمل للمذكر والمؤنث . والعقد : جمع عقدة ؛ من العقد ضد الحل . وهي اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه . أي أعوذ به تعالى من شر النفوس المفسدة التي تسعى بين الناس لإفساد ذات بينهم ؛ كما يفعل أولئك السحرة الذين ينفثون للتفريق بين المرء وزوجه ؛ وهم أخبث الناس نفوسا ، وشرهم عملا .
وجمهور العلماء على إثبات السحر ، وأنه حقيقة واقعة ، وسبب عادي للتأثير في المسحور . وقد عرف قديما في بابل ومصر ، وورد ذكره في آيات كثيرة من القرآن [ راجع ما قدمناه في تفسير آية 102 من سورة البقرة ] ، وقال القرطبي في شرح صحيح مسلم : دل القرآن في غير ما آية ، والسنة في غير ما حديث : على أن السحر موجود ، وله أثر في المسحور ، وهو حيل صناعية ، يتوصل إليها بالاكتساب ؛ غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها أحاد الناس . وأكثرهم بغير حقيقة ؛ كعلم السيمياء – وهو ما يفعله المشعوذون – فيعظم عند من لا يعرف ذلك . ولبعض أصناف السحر تأثير في القلوب كالحب والبغض ، والتفرقة بين المرء وزوجه ، وفي الأبدان بالألم والسقم .
النفّاثات : الساحرات ، واحدها نفّاثَة ، وهي التي تنفُثُ بِرِيقِها على عُقَدِ الخِيطان لتسحَر .
ومن شر كلّ من يسعَى بين الناس بالإفساد ، ومنهم تلك السواحِرُ اللاتي يَنْفُثْن في العُقَد لضررِ عبادِ الله ، وليفرّقنَ بين المرءِ وزوجه .
وهناك رواياتٌ في سبب نزول هذه السورة والّتي تَليها تذكُر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سَحَرَه يهوديٌّ اسمه لَبيد بن الأعصم . فنزلت المعوِّذتان ، وزال السِّحر عندما قرأهما الرسول الكريم . ومع أن بعض هذه الروايات في الصحيح ولكنها مخالِفَة للعقيدة ، وتناقض العِصمةَ التي أُعطيت للرسول بقوله تعالى : { والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } [ المائدة : 67 ] ، والواقع أنّ هاتين السورتين مكيّتان ، وفي ذلك ما يُوهِنُ صحة الروايات .
ولما كان كل ساحر شريراً بخلاف الغاسق والحاسد ، وكان السحر أضر من الغسق والحسد من جهة أنه شر كله ، ومن جهة أنه أخفى من غيره ، وكان ما هو منه من النساء أعظم ؛ لأن مبنى صحته وقوة تأثيره قلة العقل والدين ، ورداءة الطبع ، وضعف اليقين ، وسرعة الاستحالة ، وهن أعرق في كل من هذه الصفات وأرسخ ، وكان ما وجد منه من جمع وعلى وجه المبالغة أعظم من غيره عرف وبالغ وجمع وأنث ليدخل فيه ما دونه من باب الأولى ، فقال تعالى : { النفّاثات } أي النفوس الساحرة ، سواء كانت نفوس الرجال أو نفوس النساء ، أي التي تبالغ في النفث ، وهو التفل ، وهو النفخ مع بعض الريق ، هكذا في الكشاف . وقال صاحب القاموس : وهو كالنفخ ، وأقل من التفل ، وقال : تفل : بزق . وفي التفسير عن الزجاج أنه التفل بلا ريق . { في العقد * } أي تعقدها للسحر في الخيوط وما أشبهها ، وسبب نزول ذلك أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم فمرض كما ياتي تخريجه ، فإن السحر يؤثر بإذن الله تعالى المرض ، ويصل إلى أن يقتل ، فإذا أقر الساحر أنه قتل بسحره- وهو مما يقتل غالباً- قتل بذلك عند الشافعي ، ولا ينافي قوله تعالى :
{ والله يعصمك من الناس }[ المائدة : 67 ] ، كما مضى بيانه في المائدة ، ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه مسحور ، فإنهم ما أرادوا إلا الجنون ، أو ما يشبهه من فساد العقل واختلاله ، والمبالغة في أن كل ما يقوله لا حقيقه له ، كما أن ما ينشأ عن المسحور يكون مختلطاً لا تعرف حقيقته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.