غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ} (4)

وأما النفث فهو النفخ بريق . وقيل : النفخ فقط . والعقد : جمع عقدة . والسبب فيه أن الساحر إذا أخذ في قراءة الرقية أخذ خيطاً ولا يزال يعقد عليه عقداً بعد عقد ، وينفث في تلك العقد . ووجه التأنيث إما الجماعة ؛ لأن اجتماع السحرة على عمل واحد أبلغ تأثيراً ، وإما لأن هذه الصناعة إنما تعرف بالنساء لأنهن يعقدن وينفثن ، وذلك أن الأصل الكلي في ذلك الفن هو ربط القلب ، وتعليق الوهم بذلك الأمر ، وأنه في النساء أوفر لقلة علمهن ، وشدّة شهوتهن . وقال أبو عبيدة : إنهن بنات لبيد بن الأعصم اليهودي اللاتي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أبو مسلم : العقد عزائم الرجال ، والنفث حلها ؛ لأن من يريد حل عقدة الحبل ينفث عليه بريق يقذفه عليه ، ليصير حله سهلاً . والمعنى : إن النساء لكثرة حيلهن يتصرفن في عزائم الرجال يحوّلنهم من رأي إلى رأي ، ومن عزيمة إلى عزيمة ، فأمر الله رسوله بالتعوّذ من شرهن ، وهذا القول مناسب لما جاء في مواضع أخر من القرآن { إن من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم } [ التغابن :14 ] ، { إن كيدكن عظيم } [ يوسف :28 ] ، والاستعاذة منهن الاستعاذة من إثم عملهن ، أو من فتنتهن الناس بسحرهن ، أو من إطعامهن الأطعمة الردية المورثة للجنون ، و الموت . والحاسد هو الذي تشتد محبته لإزالة نعمة الغير إليه حتى لو تمكن من ذلك بالحيل لفعل ، فلذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منه ، وقد دخل في هذه السورة كل شر يتوقى ويتحرّز منه ديناً ودنيا ، فلذلك لما نزلت فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لكونها مع أختها جامعة في التعوذ من كل شيء ؛ بل قوله { من شر ما خلق } عام ، والبواقي تخصيص بعد تعميم ، تنبيهاً على أنها أعظم الشرور ، وأهم شيء يستعاذ منه . وعرفت النفاثات ؛ لأن كل نفاثة شريرة ، ونكر { غاسق } و { حاسد } ؛ لأنه ليس كل غاسق بشره ؛ بل الليل للغاسقين شر .

/خ5