فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ} (4)

{ ومن شر النفاثات في العقد } النفاثات هن السواحر ، أي وأعوذ برب الفلق من شر النفوس النفاثات ، أو النساء النفاثات . والنفث : النفخ ، كما يفعل ذلك من يرقي ويسحر ، قيل : مع ريق ، وقيل : بدون ريق ، وهو دليل بطلان قول المعتزلة في إنكار تحقق السحر وظهور أثره .

والعقد : جمع عقدة ، وذلك أنهن كن ينفثن في عقد الخيوط حين يسحرن بها . قال أبو عبيدة : النفاثات هن بنات لبيد بن الأعصم اليهودي سحرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

قرأ الجمهور : ( النفاثات ) جمع نفاثة على المبالغة ، وقرئ ( النافثات ) جمع نافثة ، والنفاثات بضم النون ، و( النفثات ) بدون ألف .

وقال ابن عباس : الساحرات ، وعنه قال : هو ما خالط السحر من الرقى .

وأخرج النسائي وابن مردويه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئا وكل إليه " .

وعنه قال : جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوذني فقال : " ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل ، فقلت : بلى بأبي وأنت وأمي . قال : " بسم الله أرقيك ، والله يشفيك ، من كل داء فيك " { من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد } ، فرقى بها ثلاث مرات " ، أخرجه ابن ماجه وابن سعد والحاكم وغيرهم .

واختلفوا في جواز النفخ في الرقي والتعاويذ الشرعية ، فجوزه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، يدل عليه حديث عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات " الحديث .

وأنكر جماعة التفل والنفث في الرقى ، وأجازوا النفخ بلا ريق ، قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد .

قال النسفي : جوز الاسترقاء بما كان من كتاب الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا بما كان بالسريانية والعبرانية والهندية ، فإنه لا يحل اعتقاده ، ولا اعتماد عليه .