صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

{ فلا يغررك تقلبهم في البلاد } أي تصرفهم فيها بالتجارات الرابحة ، وسلامتهم فيها مع كفرهم ؛ فإنه استدراج ، وعما قريب يؤخذون بكفرهم أخذ من سبقهم من الأمم المكذبة . وهو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ، ووعيد لهم بسوء العاقبة . والتقلب : الخروج من أرض إلى أخرى .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

قوله تعالى : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " سجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر ، والمراد الجدال بالباطل ، من الطعن فيها ، والقصد إلى إدحاض الحق ، وإطفاء نور الله تعالى . وقد دل على ذلك في قوله تعالى : " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " . [ غافر :5 ] . فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها ، وحل مشكلها ، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ، ورد أهل الزيغ بها وعنها ، فأعظم جهاد في سبيل الله . وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " عند قوله تعالى : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " {[13356]} [ البقرة : 258 ] مستوفى . " فلا يغررك تقلبهم في البلاد " " فلا يغررك " وقرئ : " فلا يغرك " " تقلبهم " أي تصرفهم " في البلاد " فإني إن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم . قال ابن عباس : يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن . وقيل : " لا يغررك " ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا . وقال الزجاج : " لا يغررك " سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك . وقال أبو العالية : آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن : قوله : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " ، وقوله : " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " [ البقرة : 176 ] .


[13356]:راجع ج 3 ص 283 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

قوله : { مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } الجدال معناه الخصام . والمراد ههنا : الذي يخاصم في تكذيب آيات الله ؛ وذلك هو الجدال بالباطل ابتغاء الطعن في دين الله أو تنفيذ آياته ودحضها ، وإطفاء نور الله سبحانه ؛ وذلك هو ديدن الأشقياء المضلين في كل زمان . أولئك الذين يخاصمون في آيات الكتاب الحكيم أو في دينه العظيم سواء في ذلك عقيدة الإسلام أو تشريعه أو ما ارتبط به من القيم والأحكام والمعاني والأخبار والسِّيَر ، فالأشقياء من المتربصين والحاقدين والمتعصبين يكيدون للإسلام بالطعن في أحكامه وآياته ومقاصده وتاريخه ، يريدون بذلك تشويه الإسلام لينفر منه الناس نفورا ويزهدوا فيه ويجتنبوه أيما اجتناب . وذلكم هو خصام المضلين المغرضين في آيات الله . وذلك بخلاف الجدال في آيات الله من أجل إيضاح ما التبس منها أو أشكل ، ولتفنيد ما يفتريه المبطلون من خصوم الإسلام على هذا الدين ، أو ما كان للبحث عن الراجح والمرجوح أو لتبيين المحكم والمتشابه فمثل ذلك جهاد عظيم في سبيل الله .

قوله : { فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ } ينهى الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عن الاغترار بتصرف هؤلاء في البلاد فيما يفعلون من التجارب وتحصيل الأرباح وجمع الأموال الكثيرة وما هم فيه من الخير وسعة الحظوظ الدنيوية ، فذلك كله متاع صائر إلى زوال{[4002]} .


[4002]:الكشاف ج 3 ص 415 وتفسير النسفي ج 4 ص 69