صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (5)

{ خلق السموات والأرض بالحق } أي متلبّسا بالصواب ، مشتملا على الحكم والمصالح ؛ ومن كان هذا شأنه : استحال أن يكون له شريك أو صاحبة أو ولد . وقد اشتملت هذه الآية والتي بعدها على ثمانية أدلة على كمال قدرته تعالى ، وعلى وحدته وقهره ما سواه : خلق السموات والأرض بالحق . وتكوير الليل على النهار . وعكسه . وتسخير الشمس والقمر لمنافع الخلق . وخلق النوع الإنساني من نفس واحدة خلقها وهي آدم . وخلق من آدم . وخلق الأنعام ثمانية أزواج . وتطور الأجنة في بطون الأمهات .

{ يكوّر الليل على النهار . . . } تكور الشيء : إدارته وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة . أي أن هذا يكر على هذا ، وهذا يكرّ على هذا كرورا متتابعا كتتابع أكوار العمامة على أثر بعض ، إلا أن أكوار العمامة مجتمعة وفيما نحن فيه متعاورة ؛ وقريب منه قوله تعالى : " يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا " . وقيل المعنى : يزيد الليل على النهار ويضمّه إليه ؛ بأن يجعل بعض أجزاء الليل نهارا فيطول النهار عن الليل . ويزيد النهار عن الليل ويضمّه إليه ؛ بأن يجعل بعض أجزاء النهار ليلا فيطول الليل عن النهار . وهو كقوله تعالى : " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " . { كل يجري لأجل مسمى } هو وقت نهاية دورته . أو وقت انقطاع حركته .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (5)

{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } : يخبر تعالى أنه { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } أي : بالحكمة والمصلحة ، وليأمر العباد وينهاهم ، ويثيبهم ويعاقبهم .

{ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ } أي : يدخل كلا منهما على الآخر ، ويحله محله ، فلا يجتمع هذا وهذا ، بل إذا أتى أحدهما انعزل الآخر عن سلطانه .

{ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } بتسخير منظم ، وسير مقنن . { كُلٌّ } من الشمس والقمر { يَجْرِي } متأثرا عن تسخيره تعالى { لِأَجَلٍ مُسَمًّى } وهو انقضاء هذه الدار وخرابها ، فيخرب اللّه آلاتها وشمسها وقمرها ، وينشئ الخلق نشأة جديدة ليستقروا في دار القرار ، الجنة أو النار .

{ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ } الذي لا يغالب ، القاهر لكل شيء ، الذي لا يستعصي عليه شيء ، الذي من عزته ببأوجد هذه المخلوقات العظيمة ، وسخرها تجري بأمره . { الْغَفَّارُ } لذنوب عباده التوابين المؤمنين ، كما قال تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } الغفار لمن أشرك به بعد ما رأى من آياته العظيمة ، ثم تاب وأناب .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (5)

يُخبرُ الله عن بالغ قدرته وعظيم عزته وملكوته وأنه الخالق القاهر القادر ، إذ يبين في الآية أنه { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بالحَقِّ } أي لم يخلقهما باطلا ولا للهو والعبث بل خلقهما بعلمه وحكمته وتدبيره .

قوله : { يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ } أي يلقي هذا على هذا ، وهذا على هذا . وهو من التكوير ، ومعناه طرح الشيء بعضه على بعض . كار الرجلُ العمامة أي أدارها على رأسه . وكورت الشمس إذا لففته على جهة الاستدارة فالمراد بتكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه . وتكوير النهار على الليل ، تغشيته إياه حتى تذهب ظلمته ؛ وذلك حدث كوني هائل لا يقدر على فعله غير الله الخالق المقتدر .

قوله : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } أي ذللهما لمنافع العباد وتحقيق الحياة فتكون صالحة سوية ، بجريان كل منهما ؛ فالشمس تجري في دورتها المنسجمة المطردة حتى تستقر وتسكن بقيام الساعة . وكذا القمر يدور دورته في الفضاء من حول الشمس بجرمها الهائل العظيم حتى يأذن الله بنهاية العالمين واندثار النظام الكوني كله . وهو قوله : { كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } .

قوله : { أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } { ألاَ } أداة تنبيه ؛ يعني : تنبهوا فإن الله { هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } أي الغالب القوي الذي لا يُقهر . وهو سبحانه { الْغَفَّارُ } يستر ذنوب عباده وإساءاتهم .