فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (5)

ثم لما ذكر سبحانه كونه منزّهاً عن الولد بكونه إلها واحداً قهاراً ذكر ما يدل على ذلك من صفاته فقال : { خَلَقَ السموات والأرض بالحق } أي لم يخلقهما باطلاً لغير شيء ، ومن كان هذا الخلق العظيم خلقه استحال أن يكون له شريك أو صاحبة أو ولد . ثم بيّن كيفية تصرفه في السماوات والأرض ، فقال : { يُكَوّرُ اليل عَلَى النهار وَيُكَوّرُ النهار عَلَى اليل } التكوير في اللغة : طرح الشيء بعضه على بعض . يقال : كوّر المتاع : إذا ألقي بعضه على بعض ، ومنه كوّر العمامة ؛ فمعنى تكوير الليل على النهار : تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه ، ومعنى تكوير النهار على الليل : تغشيته إياه حتى تذهب ظلمته ، وهو : معنى قوله تعالى : { يُغْشِي الليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثا } [ الأعراف : 54 ] هكذا قال قتادة وغيره . وقال الضحاك : أي يلقي هذا على هذا ، وهذا على هذا ، وهو مقارب للقول الأوّل . وقيل معنى الآية : أن ما نقص من الليل دخل في النهار ، وما نقص من النهار دخل في الليل ، وهو معنى قوله : { يُولِجُ اليل في النهار وَيُولِجُ النهار في اليل } [ الحج : 61 ] ، وقيل المعنى : إن هذا يكرّ على هذا ، وهذا يكرّ على هذا كروراً متتابعاً . قال الراغب : تكوير الشيء إدارته ، وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة انتهى . والإشارة بهذا التكوير المذكور في الآية إلى جريان الشمس في مطالعها ، وانتقاص الليل والنهار وازديادهما . قال الرازي : إن النور ، والظلمة عسكران عظيمان ، وفي كل يوم يغلب هذا ذاك ، وذاك هذا ؛ ثم ذكر تسخيره لسلطان النهار وسلطان الليل ، وهما : الشمس والقمر ، فقال : { وَسَخَّرَ الشمس والقمر } أي جعلهما منقادين لأمره بالطلوع والغروب لمنافع العباد ، ثم بيّن كيفية هذا التسخير ، فقال : { كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي يجري في فلكه إلى أن تنصرم الدنيا ، وذلك يوم القيامة ، وقد تقدّم الكلام على الأجل المسمى لجريهما مستوفي في سورة { يس } { أَلا هُوَ العزيز الغفار } ألا : حرف تنبيه ، والمعنى : تنبهوا أيها العباد ، فالله هو : الغالب الساتر لذنوب خلقه بالمغفرة .

/خ6