مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (5)

ثم دل بخلق السماوات والأرض وتكوير كل واحد من الملوين على الآخر وتسخير النيرين وجريهما لأجل مسمى ، وبث الناس على كثرة عددهم من نفس واحدة ، وخلق الأنعام على أنه واحد لا يشارك قهار لا يغالب بقوله { خَلَقَ السماوات والأرض بالحق يُكَوِّرُ اليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى اليل } والتكوير اللف واللي يقال : كار العمامة على رأسه وكورها ، والمعنى أن كل واحد منهما يغيّب الآخر إذا طرأ عليه ، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيّبه عن مطامح الأبصار ، أو أن هذا يكر على هذا كروراً متتابعاً ، فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض { وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي يوم القيامة { إِلاَّ هُوَ العزيز } الغالب القادر على عقاب من لم يعتبر بتسخير الشمس والقمر فلم يؤمن بمسخرهما { الغفار } لمن فكر واعتبر فآمن بمدبرهما .