فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (5)

ثم لما ذكر سبحانه كونه منزها عن الولد بكونه إلها واحدا قهارا ذكر ما يدل على ذلك من صفاته فقال : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ( 5 ) }{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ } أي لم يخلقهما باطلا لغير شيء ومن كان هذا الخلق العظيم خلقه استحال أن يكون له شريك أو صاحبة أو ولد ، ثم بين كيفية تصرفه في السماوات والأرض فقال :

{ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ } التكوير في اللغة طرح الشيء بعضه على بعض ، يقال كور المتاع ، إذا ألقى بعضه على بعض ، ومنه كور العمامة ، فمعنى تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه ، ومعنى تكوير النهار على الليل تغشيته إياه حتى تذهب ظلمته ، وهو معنى قوله تعالى { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا } هكذا قال قتادة وغيره قال الضحاك : أي يلقي هذا على هذا ، وهذا على هذا ، وهو مقارب للقول الأول .

وقيل معنى الآية أن ما نقص من الليل دخل في النهار ، وما نقص من النهار دخل في الليل ، وهو معنى قوله { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ } ومنتهى النقصان تسع ساعات ، ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة ، وقيل : المعنى أن هذا يكر على هذا ، وهذا يكر على هذا كرورا متتابعا ، قال الراغب تكوير الشيء إدارته ، وضم بعضه على بعض ، ككور العمامة اه .

وقيل التكوير اللف واللي ، وقال ابن عباس : يكور يحمل ، والإشارة بهذا التكوير المذكور في الآية إلى جريان الشمس في مطالعها ، وانتقاص الليل والنهار ، وازديادهما . قال الرازي : إن النور والظلمة عسكران عظيمان وفي كل يوم يغلب هذا ذاك وذاك هذا .

ثم ذكر تسخيره لسلطان النهار وسلطان الليل وهما الشمس والقمر فقال : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } أي جعلهما منقادين لأمره بالطلوع والغروب لمنافع العباد ثم بين كيفية هذا التسخير فقال : { كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } أي يجري في فلكه إلى أن تنصرم الدنيا وذلك يوم القيامة : وقد تقدم الكلام على الأجل المسمى لجريهما مستوفى في سورة يس .

{ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } ألا حرف تنبيه ، وتصدير الجملة بها لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها . والمعنى تنبهوا أيها العباد فالله هو الغالب الساتر لذنوب خلقه بالمغفرة ،