تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (5)

قوله تعالى : { خلق السماوات والأرض بالحق } يحتمل قوله : { بالحق } أي بالحق الذي لله عليهم ، ولما لبعض على بعض من الحق .

ويحتمل أن يكون قوله : { بالحق } أي للحق ، وهو البعث ، ما لو لم يكن البعث لكان خلقهما عبثا باطلا على ما ذكر في آية أخرى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } [ ص : 27 ] وقال في آية أخرى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } [ المؤمنون : 115 ] .

وجائز أن يكون قوله عز وجل : { خلق السماوات والأرض بالحق } أي بالحكمة ، وهو أن جعل في خلقه كل شيء أثر وحدانيته وألوهيته ما يعرف كل أنه فعله ، وإن لم يشاهد خلقه ، وقوله على ما يكون ذلك في فعل أحد من الخلائق إثر معرفة فاعله ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل } كما ذكر في آية أخرى : { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليلْ } [ الحج : 61 ] يذكر دلالة وحدانيته حيث جعل منافع الليل متصلة بمنافع النهار ، ومنافع النهار متصلة بمنافع الليل على اختلافهما وتناقضهما وتضادهما ليعلم أنهما فعل واحد . وكذلك كا جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما ليعلم أن منشئهما واحد ، إذ لو كان عددا لامتنع ذلك ؛ إذ المعروف من عادة الملوك انفراد كل بملكه وسلطانه والاستعلاء على ما استولى ، وقبض برأس الآخر ، ونفاذ أمره في سلطانه . فإن لم يمتنع ذلك دل أنه فعل واحد .

وكذلك ما ذكر من تسخير الشمس والقمر لهم ولمنافعهم وجريتهما في يوم واحد مسيرة ألف عام ، أو ما ذكر من غير أن يعرف أحد سيرهما أنهما يسيران وقت سيرهما ألا بعد قطعهما ذلك أن لهما منشئا وأنه واحد .

ودل اتساقهما وجريانهما على سير واحد منذ كانا إلى آخر ما يكونان ، ويدوران على أن منشئهما واحد ، عالم ، مدبر ، عرف حاجة الخلق إليهما إلى أبد الآبدين ، ومنافعهم بذلك .

وقوله تعالى : { كل يجري لأجل مسمى } أي كل مما ذكر يجري إلى الوقت الذي جعل له ، لا يتقدم ، ولا يتأخر ، ولا ينقطع ما كان بالخلق حاجة ، والله أعلم .

ويحتمل : { كل يجري لأجل مسمى } يجري إلى منازل معلومة ، لا يجاوزها .

وقوله تعالى : { ألا هو العزيز الغفار } هو العزيز بذاته ، لا يتعزز بما ذكروا له من الأولاد ، ولا بطاعة من أطاعه . { الغفار } لمن كان أهلا للمغفرة ، ولا تخرج مغفرته إياه عن الحكمة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل } قال بعضهم : أي يدخل أحدهما على الآخر كقوله : { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليلْ } [ الحج : 61 ] وقال بعضهم : { يكور الليل على النهار } أي يغشي أحدهما بالآخر كقوله : { يغشي الليل والنهار يطلبه حثيثا } [ الأعراف : 54 ] وقال بعضهم : يكور أي يلف هذا بهذا ، وهو من كور العمامة ، ومنه قوله : { إذا الشمس كورت } [ التكوير : 1 ] أي جمعت ، ولفت . وأصل التكوير اللف والجمع ، وهو قول أبي عوسجة والقتبي .