صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

{ فمن يعمل مثقال ذرة . . . } تفصيل للرائين وما يرونه . و " مثقال ذرة " أي مقدار وزن أصغر نملة . أو ما يرى من الهباء في شعاع الشمس الداخل من الكوة ؛ وهو مثل في القلة . وعن ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خير أو شرا في الدنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة ؛ فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته ، فيغفر له سيئاته ، ويثيبه بحسناته . وأما الكافر فيرى حسناته وسيئاته ، فيرد حسناته ، ويعذبه بسيئاته . وقوله : " فيرد حسناته " أي لا يثيبه عليها ؛ لكفره وهو محبط للعمل . وإن خفف عنه العذاب بسببها ؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك .

والله أعلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } وهذا شامل عام للخير .

{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }والشر كله ؛ لأنه إذا رأى مثقال الذرة التي هي أحقر الأشياء ، [ وجوزي عليها ] فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا }

وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلًا ، والترهيب من فعل الشر ولو حقيرًا .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } كان ابن عباس يقول : من يعمل من الكفار مثقال ذرة خيرا يره في الدنيا ، ولا يثاب عليه في الآخرة ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر عوقب عليه في الآخرة ، مع عقاب الشرك ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يره في الدنيا ، ولا يعاقب عليه في الآخرة إذا مات ، ويتجاوز عنه ، وإن عمل مثقال ذرة من خير يقبل منه ، ويضاعف له في الآخرة . وفي بعض الحديث : ( الذرة لا زنة لها ) ، وهذا مثل ضربه الله تعالى : أنه لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة ولا كبيرة . وهو مثل قوله تعالى : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة }{[16276]} [ النساء : 40 ] . وقد تقدم الكلام هناك في الذر ، وأنه لا وزن له . وذكر بعض أهل اللغة أن الذر : أن يضرب الرجل بيده على الأرض ، فما علق بها من التراب فهو الدر ، وكذا قال ابن عباس : إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها ، فكل واحد مما لزق به من التراب ذرة . وقال محمد بن كعب القرظي : فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر ، يرى ثوابه في الدنيا ، في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير . ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن ، يرى{[16277]} عقوبته في الدنيا ، في نفسه وماله وولده وأهله ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر . دليله ما رواه العلماء الأثبات من حديث أنس : أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يأكل ، فأمسك وقال : يا رسول الله ، وإنا لنرى ما عملنا من خير وشر ؟ قال : " ما رأيت مما تكره فهو مثاقيل ذر الشر ، ويدخر لكم مثاقيل ذر الخير ، حتى تعطوه يوم القيامة " . قال أبو إدريس : إن مصداقه في كتاب الله : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ويعفو عن كثير }{[16278]} [ الشورى : 30 ] . وقال مقاتل : نزلت في رجلين ، وذلك أنه لما نزل { ويطعمون الطعام على حبه }{[16279]} [ الإنسان : 8 ] كان أحدهم يأتيه السائل ، فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة{[16280]} . وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ، كالكذبة والغيبة والنظرة ، ويقول : إنما أوعد الله النار على الكبائر ، فنزلت ترغبهم في القليل من الخير أن يعطوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، ويحذرهم اليسير من الذنب ، فإنه يوشك أن يكثر ، وقاله سعيد بن جبير . والإثم الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال ، وجميع محاسنه أقل في عينه من كل شيء .

الثانية : قراءة العامة " يَره " بفتح الياء فيهما . وقرأ الجحدري والسلمي وعيسى بن عمر وأبان عن عاصم : " يُره " بضم الياء ، أي يُريه الله إياه . والأولى الاختيار ؛ لقوله تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا }{[16281]} [ آل عمران : 30 ] الآية . وسكن الهاء في قوله " يره " في الموضعين هشام . وكذلك رواه الكسائي عن أبي بكر وأبي حيوة والمغيرة . واختلس يعقوب والزهري والجحدري وشيبة . وأشبع الباقون . وقيل " يره " أي يرى جزاءه ؛ لأن ما عمله قد مضى وعدم فلا يرى . وأنشدوا :

إن من يعتدي ويكسبُ إثما *** وزْنَ مثقالِ ذَرَّةٍ سَيَرَاهُ

ويُجَازَى بفعله الشرَّ شرا *** وبفعل الجميل أيضا جزَاهُ

هكذا قوله تبارك رَبِّي *** في إذا زلزلت وجل ثَنَاهُ

الثالثة : قال ابن مسعود : هذه أحكم آية في القرآن ، وصدق . وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية : القائلون بالعموم ومن لم يقل به . وروى كعب الأحبار أنه قال : لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } . قال الشيخ أبو مدين في قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } قال : في الحال قبل المآل . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى هذه الآية الآية الجامعة الفاذة ، كما في الصحيح لما سئل عن الحمر وسكت عن البغال ، والجواب فيهما واحد ؛ لأن البغل والحمار لا كر فيهما ولا فر ، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما في الخيل من الأجر الدائم ، والثواب المستمر ، سأل السائل عن الحمر ، لأنهم لم يكن عندهم يومئذ بغل ، ولا دخل الحجاز منها إلا بغلة النبي صلى الله عليه وسلم " الدلدل " ، التي أهداها له المقوقس ، فأفتاه في الحمير بعموم الآية ، وإن في الحمار مثاقيل ذر كثيرة ، قاله ابن العربي . وفي الموطأ : أن مسكينا استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب ، فقالت لإنسان : خذ حبة فأعطه إياها . فجعل ينظر إليها ويعجب ، فقال : أتعجب ! كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة . وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه تصدق بتمرتين ، فقبض السائل يده ، فقال للسائل : ويقبل الله منا مثاقيل الذر ، وفي التمرتين مثاقيل ذر كثيرة . وروى المطلب بن حنطب : أن أعرابيا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها فقال : يا رسول الله ، أمثقال ذرة ! قال : " نعم " . فقال الأعرابي : واسوأتاه ! مرارا : ثم قام وهو يقولها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد دخل قلب الأعرابي الإيمان " . وقال الحسن : قدم صعصعة عم الفرزدق{[16282]} على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع { فمن يعمل مثقال ذرة } الآيات ، قال : لا أبالي ألا أسمع من القرآن غيرها ، حسبي ، فقد انتهت الموعظة ، ذكره الثعلبي . ولفظ الماوردي : وروي أن صعصة بن ناجية جد الفرزدق أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئه ، فقرأ عليه هذه الآية ، فقال صعصعة : حسبي حسبي ، إن عملت مثقال ذرة شرا رأيته . وروى معمر عن زيد بن أسلم : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : علمني مما علمك الله . فدفعه إلى رجل يعلمه ، فعلمه { إذا زلزلت } حتى إذا بلغ { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } قال : حسبي . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " دعوه فإنه قد فقه " . ويحكي أن أعرابيا أخر " خيرا يره " فقيل : قدمت وأخرت . فقال :

خذا بطنَ هَرْشَى أو قَفَاها فإنه *** كلا جانبي هَرْشَى لهنَّ طريقُ{[16283]}


[16276]:آية 40 سورة النساء. راجع جـ 5 ص 195.
[16277]:كذا في الأصل وبعض التفسير بإثبات الياء والراجح حذفها.
[16278]:آية 30 سورة الشورى.
[16279]:آية 8 سورة الإنسان.
[16280]:الجوزة: واحدة الجوز الذي يؤكل، فارسي معرب.
[16281]:آية 30 سورة آل عمران.
[16282]:قال أبو أحمد العسكري: "وقد وهم في صعصعة بن معاوية عم الأحنف بن قيس، فقال: صعصعة عم الفرزدق وهو غلط". والمعروف أن صعصعة بن ناجية هو جد الفرزدق، وليس له عم يسمى صعصعة. راجع كتاب الإصابة وأسد الغابة في ترجمة صعصعة.
[16283]:هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة، يرى منها البحر، ولها طريقان، فكل من سلك واحدا منهما أفضى به إلى موضع واحد. في معجم البلدان لياقوت: خذا أنف هرشى . . . وفي اللسان: خذا جنب هرشى ...
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } المثقال هو الوزن ، والذرة هي النملة الصغيرة ، والرؤية هنا ليست برؤية بصر وإنما هي عبارة عن الجزاء ، وذكر الله مثقال الذرة تنبيها على ما هو أكثر منه من طريق الأولى ، كأنه قال : من يعمل قليلا أو كثيرا ، وهذه الآية هي في المؤمنين ؛ لأن الكافر لا يجازى في الآخرة على حسناته ؛ إذ لم تقبل منه ، واستدل أهل السنة بهذه الآية أنه لا يخلد مؤمن في النار ؛ لأنه إذا خلد لم ير ثوابا على إيمانه ، وعلى ما عمل من الحسنات . وروي : عن عائشة أنها تصدقت بحبة عنب ، فقيل لها في ذلك فقالت : كم فيها من مثقال ذرة . وسمع رجل هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : حسبي الله ، لا أبالي أن أسمع غيرها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

ثم سبب عن ذلك قوله مفصلاً الجملة التي قبله : { فمن يعمل } من محسن أو مسيء ، مسلم أو كافر { مثقال } أي مقدار وزن { ذرة خيراً } أي من جهة الخير { يره * } أي حاضراً لا يغيب عنه شيء منه ؛ لأن المحاسب له الإحاطة علماً وقدرة ، فالكافر يوقف على أنه جوزي به في الدنيا ، أو أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان ، فهو صورة بلا معنى ليشتد ندمه ، ويقوى حزنه وأسفه ، والمؤمن يراه ليشتد سروره به .