{ أمتنا اثنتين } أرادوا بالأولى : خلقهم مادة لا روح فيها وهم في الأرحام . وبالثانية : قبض أرواحهم عند انقضاء آجالهم . والإماتة : جعل الشيء عادم الحياة ، سبق بحياة أم لا . { وأحييتنا اثنتين } أرادوا بالأولى : نفخ أرواحهم في أبدانهم وهي في الأرحام . وبالثانية : نفخ الأرواح فيها يوم البعث والنشور . وهو نظيره قوله تعالى : " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " {[299]} .
فتمنوا الرجوع و { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } يريدون الموتة الأولى وما بين النفختين على ما قيل أو العدم المحض قبل إيجادهم ، ثم أماتهم بعدما أوجدهم ، { وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } الحياة الدنيا والحياة الأخرى ، { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } أي : تحسروا وقالوا ذلك ، فلم يفد ولم ينجع ، ووبخوا على عدم فعل أسباب النجاة ، فقيل لهم :
{ قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } هذه الآية كقوله : { وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } [ البقرة : 28 ] فالموتة الأولى عبارة عن كونهم عدما أو كونهم في الأصلاب أو في الأرحام ، والموتة الثانية الموت المعروف والحياة الأولى حياة الدنيا ، والحياة الثانية حياة البعث في القيامة وقيل : الحياة الأولى حياة الدنيا ، والثانية الحياة في القبر ، والموتة الأولى الموت المعروف ، والموتة الثانية بعد حياة القبر ، وهذا قول فاسد لأنه لابد من الحياة للبعث فتجيء الحياة ثلاث مرات فإن قيل : كيف اتصال قولهم : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } بما قبله فالجواب : أنهم كانوا في الدنيا يكفرون بالبعث فلما دخلوا النار مقتوا أنفسهم على ذلك فأقروا به حينئذ ليرضوا الله بإقرارهم حينئذ فقولهم : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } إقرار بالبعث على أكمل الوجوه طمعا منهم أن يخرجوا عن المقت الذي مقتهم الله إذا كانوا يدعون إلى الإسلام فيكفرون .
{ فاعترفنا بذنوبنا } الفاء هنا رابطة معناها التسبب .
فإن قيل : كيف يكون قولهم أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين سببا لاعترافهم بالذنوب ؟ فالجواب : أنهم كانوا كافرين بالبعث فلما رأوا الإماتة والإحياء تكرر عليهم علموا أن الله قادر على البعث فاعترفوا بذنوبهم وهي إنكار البعث وما أوجب لهم إنكاره من المعاصي فإن من لم يؤمن بالآخرة لا يبالي بالوقوع في المعاصي .
ولما كان من أعظم ذنوبهم إنكار البعث ، وكانوا قد استقرأوا العوائد ، وسبروا ما جرت به الأقدار في الدهور والمدائد ، من أن كل ثان لا بد له من ثالث ، وكان الإحياء لا يطلق عرفاً إلا من كان عن موت ، حكى سبحانه جوابهم بقوله الذي محطه الإقرار بالبعث والترفق بالاعتراف بالذنب حيث لا ينفع لفوات شرطه وهو الغيب : { قالوا ربنا } أي أيها المحسن إلينا بما تقدم في دار الدنيا { أمتَّنا اثنتين } قيل : واحدة عند انقضاء الآجال في الحياة الدنيا وأخرى بالصعق بعد البعث أو الإرقاد بعد سؤال القبر ، والصحيح أن تفسيرها آية البقرة
{ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم }[ آية : 28 ] وأما الصعق فليس بموت ، وما في القبر فليس بحياة حتى يكون عنه موت ، وإنما هو إقدار على الكلام كما أقدر سبحانه الحصى على التسبيح والحجر على التسليم ، والضب على الشهادتين ، والفرس حين قال لها فارسها ثبي إطلال على قولها وثباً وسورة البقرة { وأحييتنا اثنين } واحدة في البطن ، وأخرى بالبعث بعد الموت ، أو واحدة بالبعث وأخرى بالإقامة من الصعق ، أو الإقامة في القبر ، فشاهدنا قدرتك على البعث { فاعترفنا } أي فتسبب عن ذلك أنّا اعترفنا بعد تكرر الإحياء { بذنوبنا } الحاصلة بسبب إنكار البعث لأن من لم يخش العاقبة بالغ في متابعة الهوى ، فذلك توبة لنا { فهل إلى خروج } أي من النار ولو على أدنى أنواع الخروج بالرجوع إلى الدنيا فنعمل صالحاً { من سبيل } فنسلكه فنخرج ثم تكون لنا موتة ثالثة وإحياءة ثالثة إلى الجنة التي جعلتها جزاء من أقر بالبعث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.