{ المخلفون من الأعراب } أي الذين خلفهم الله عن صحبتك ، والخروج معك إلى مكة معتمرا عام الحديبية ؛ حين استنفرتهم ليخرجوا معك حذرا من قريش أن يعرضوا لك بحرب أو يصدوك عن البيت . فتثاقلوا عنك وتخلفوا ، وخافوا القتال وقالوا : لن يرجع محمد وأصحابه من هذه السفرة . ففضحهم الله بهذه الآية ، وأعلم رسوله بقولهم واعتذارهم قبل أن يرجع إليهم ؛ فكان كذلك . و " المخلفون " جمع مخلف ، وهو المتروك في مكان خلف الخارجين من البلد كالنساء والصبيان . والأعراب : سكان البادية . والمراد بهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والديل .
{ 11-13 } { سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا * وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا }
يذم تعالى المتخلفين عن رسوله ، في الجهاد في سبيله ، من الأعراب الذين ضعف إيمانهم ، وكان في قلوبهم مرض ، وسوء ظن بالله تعالى ، وأنهم سيعتذرون بأن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن الخروج في الجهاد ، وأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم ، قال الله تعالى : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } فإن طلبهم الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ندمهم وإقرارهم على أنفسهم بالذنب ، وأنهم تخلفوا تخلفا يحتاج إلى توبة واستغفار ، فلو كان هذا الذي في قلوبهم ، لكان استغفار الرسول نافعا لهم ، لأنهم قد تابوا وأنابوا ، ولكن الذي في قلوبهم ، أنهم إنما تخلفوا لأنهم ظنوا بالله ظن السوء .
{ سيقول لك المخلفون من الأعراب } الآية لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة عام الحديبية استنفر من حول المدينة من الأعراب حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب فتثاقلوا عنه وخافوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنفسهم فأنزل الله تعالى { سيقول لك المخلفون } الذين خلفهم الله عن صحبتك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم عن التخلف { شغلتنا } عن الخروج معك { أموالنا وأهلونا } أي ليس لنا من يقوم فيها إذا خرجنا { فاستغفر لنا } تركنا الخروج معك ثم كذبهم الله تعالى في ذلك العذر فقال { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } ا لآية
قوله تعالى : " سيقول لك المخلفون من الأعراب " قال مجاهد وابن عباس : يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والديل ، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة ، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح ، بعد أن كان استنفرهم ليخرجوا معه حذرا من قريش ، وأحرم بعمرة وساق معه الهدي ، ليعلم الناس أنه لا يريد حربا فتثاقلوا عنه واعتلوا بالشغل ، فنزلت . وإنما قال : " المخلفون " لأن الله خلفهم عن صحبة نبيه . والمخلف المتروك . وقد مضى في " التوبة " {[13996]} . " شغلتنا أموالنا وأهلونا " أي ليس لنا من يقوم بهما . " فاستغفر لنا " جاؤوا يطلبون الاستغفار واعتقادهم بخلاف ظاهرهم ، ففضحهم الله تعالى بقوله : " يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم " وهذا هو النفاق المحض .
قوله تعالى : " قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا " قرأ حمزة والكسائي " ضرا " بضم الضاد هنا فقط ، أي أمرا يضركم . وقال ابن عباس : الهزيمة . الباقون بالفتح ، وهو مصدر ضررته ضرا . وبالضم اسم لما ينال الإنسان من الهزال وسوء الحال . والمصدر يؤدي عن المرة وأكثر . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، قالا : لأنه قابله بالنفع وهو ضد الضر . وقيل : هما لغتان بمعنى ، كالفَقر والفُقر والضَّعف والضُّعف . " أو أراد بكم نفعا " أي نصرا وغنيمة . وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن الرسول يدفع عنهم الضر ويعجل لهم النفع .
{ سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا }
{ سيقول لك المخلفون من الأعراب } حول المدينة ، أي الذين خلفهم الله عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة خوفاً من تعرض قريش لك عام الحديبية إذا رجعت منها { شغلتنا أموالنا وأهلونا } عن الخروج معك { فاستغفر لنا } الله من تَرْك الخروج معك قال تعالى مكذباً لهم : { يقولون بألسنتهم } أي من طلب الاستغفار وما قبله { ما ليس في قلوبهم } فهم كاذبون في اعتذارهم { قل فمن } استفهام بمعنى النفي أي لا أحد { يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً } بفتح الضاد وضمها { أو أراد بكم نفعاً بل كان الله بما تعملون خبيراً } أي لم يزل متصفاً بذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.