{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } أي أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم أن ليس للإنسان إلا سعيه ! ؟ فلا يثاب بعمل غيره ، كما لا يؤاخذ بذنب غيره . أما في شريعتنا فقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع انتفاع الإنسان بعمل غيره ، ونقل العلامة الجمل في حاشيته على الجلالين بحثا نفيسا لشيخ الإسلام تقى الدين أحمد بن تميمة ، ننقل خلاصته لمزيد فائدته . قال : " من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع ؛ وذلك باطل من وجوه : أحدها – أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره . ثانيها – أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب ، ثم لأهل الجنة في دخولها . ثالثها – يشفع لأهل الكبائر في الخروج من النار ؛ وهذا انتفاع بسعي الغير . رابعها – أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض ؛ وذلك منفعة بعمل الغير . خامسها – أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط – أي من المؤمنين – بمحض رحمته ؛ وهذا انتفاع بغير عملهم . سادسها – أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم ؛ وذلك انتفاع بمحض عمل الغير . سابعها – قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين : " وكان أبوهما صالحا " {[333]} ؛ فانتفعا بصلاح أبيهما وليس من سعيهما . ثامنها – أن الميت ينتفع بالصدقة عنه
وبالعتق ، بنص السنة والإجماع ؛ وهو من عمل الغير . تاسعها – أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة ؛ وهو انتفاع بعمل الغير ، عاشرها – أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة ؛ وهو انتفاع بعمل الغير . حادي عشرها – المدين قد امتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة ، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهو من عمل الغير . ثاني عشرها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن صلى وحده : ( ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه ) ؛ فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير . ثالث عشرها – أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الخلق إذا قضاها عنه قاض ؛ وذلك انتفاع بعمل الغير . رابع عشرها – أن من عليه تبعات ومظالم إذا حلل منها سقطت عنه ؛ وهذا انتفاع بعمل الغير . خامس عشرها – أن الجار الصالح ينفع في المحيا والممات – كما جاء في الأثر - ؛ وهذا انتفاع بعمل الغير . سادس عشرها – أن جليس أهل الذكر يرحم بهم ؛ وهو لم يكن منهم ، ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له ، والأعمال بالنيات ؛ فقد انتفع بعمل غيره . سابع عشرها – الصلاة على الميت والدعاء له في الصلاة ، انتفاع للميت بصلاة الحي عليه ؛ وهو عمل غيره . ثامن عشرها – أن الجمعة تحصل باجتماع العدد ، وكذا الجماعة بكثرة العدد ؛ وهو انتفاع للبعض بالبعض . تاسع عشرها – أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " {[334]} . وقال تعالى : " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات " {[335]} فقد رفع الله تعالى عن بعض الناس بسبب بعض ؛ وذلك انتفاع بعمل الغير . عشروها – أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل ؛ فإنه ينتفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي له فيها . ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله مالا يكاد يحصى ؛ فكيف يجوز أن نتأول الآية الكريمة على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة ! ؟ " اه . فإما أن يقال : إن الآية عامة قد خصصت بأمور كثيرة مما ذكر . أو يقال : إنها مخصوصة بقوم موسى وإبراهيم ؛ لأنها حكاية عما في صحفهما . وأما هذه الأمة فلها ما سعت هي وما سعى لها غيرها ؛ بدليل ما ذكر ، وبدليل قوله تعالى : " ألحقنا بهم ذريتهم " {[336]} حين أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء . أو يقال : إن سعي غيره لما لم ينفعه
إلا مبنيا على سعي نفسه وهو بكونه مؤمنا كان كأنه سعى نفسه . أو يقال : إن المراد بالإنسان الكافر . والمعنى : أنه ليس له من الجزاء إلا ما عمل هو ؛ فيثاب عليه في الدنيا بسعة الرزق والمعافاة في البدن ونحو ذلك ، حتى لا يبقى له في الآخرة منها نصيب . أو يقال : " ليس للإنسان إلا ما سعى " أي عدلا ؛ فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله من فضله ما يشاء . وفي الحديث الصحيح : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث – وفيه - : أو ولد صالح يدعو له ) . وهذا كله تفضل منه تعالى ، كما أن تضعيف الحسنات فضل منه تعالى . هذا وقد نقل الخازن في تفسيره الأحاديث الصحيحة الواردة في الحج عن الغير ، ثم قال : وفي الحديثين الآخرين دليل على أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصل ثوابها إليه ؛ وهو إجماع العلماء . وكذلك أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين ؛ للنصوص الواردة في ذلك . ويصح الحج عن الميت حجة الإسلام . وكذا لو أوصى بحج تطوع على الأصح عند الشافعي . واختلف العلماء في الصوم عنه ، والراجح جوازه عنه . والمشهور من مذهب الشافعي أن قراءة القرآن لا يصل ثوابها للميت . وذهب أحمد وجماعة من العلماء ومن أصحاب الشافعي إلى أنها تصل ؛ فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه : اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان ، ونحو ذلك . وأما الصلوات وسائر التطوعات فلا يصله ثوابها عند الشافعي والجمهور . وقال أحمد : يصله ثواب الجميع . ا . ه .
وقد أشبعنا الكلام في هذا المقام في فتوى الأربعين . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.