جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

{ وأن ليس{[4808]} للإنسان إلا ما سعى{[4809]} } : لا يثاب أحد بفعل غيره أيضا ، ومن هذه استنبط الإمام الشافعي أن ثواب القراءة لا تصل إلى الموتى ، وأما من سن سنة حسنة ، أو سيئة فله أجرها وأجر من عمل بها ووزرها ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، فلأنه سببها ودل عليها ، وفي الصحيح " من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا " ، أو معناه لا يملك شيئا غير ذلك ، وإن كان قد يحصل له بفضل الله ، وبدعاء الغير ، وصدقته له نفع لكن هو لا يملك ذلك ،


[4808]:قال شيخ الإسلام تقى الدين أبو العباس أحمد بن تيمية- رحمه الله: من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع، وذلك باطل من وجوه كثيرة أحدها: أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره، وهو انتفاع بعمل الغير، وثانيها: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- يشفع لأهل الموقف في الحساب، ثم لأهل الجنة في دخول ثالثها: لأهل الكبائر في الخروج من النار، وهذا انتفاع بسعي الغير رابعها: أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض، وذلك منفعة بعمل الغير خامسها: أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته، وهذا انتفاع بغير عملهم، سادسها: أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم، وذلك انتفاع بمحض عمل الغير سابعها: قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين. {وكان أبوهما صالحا} [الكهف:82] فانتفعا بصلاح أبيهما، وليس من سعيهما، ثامنها: أن الميت ينتفع بالصدقة عنه، وبالعتق بنص السنة، والإجماع وهو من عمل الغير تاسعها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة، وهو انتفاع بعمل الغير عاشرها: أن الحج المنذر أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة، وهو انتفاع بعمل الغير حادي عشرها: المدين قد امتنع- صلى الله عليه وسلم- من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب، وانتفع بصلاة النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو من عمل الغير، ثاني عشرها: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لمن صلى وحده:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير ثالث عشرها: أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الخلق إذا قضاها قاض عنه، وذلك انتفاع بعمل الغير، رابع عشرها: أن من عليها تبعات ومظالم إذا حلل عنها سقطت عنه، وهذا انتفاع بعمل الغير، خامس عشرها: أن الجار الصالح ينفع في المحيا والممات كما جاء في الأثر، وهذا انتفاع بعمل الغير، سادس عشرها: أن جليس أهل الذكر يرحم بهم، وهو لم يكن منهم، ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له، فالأعمال بالنيات فقد انتفع بعمل غيره، سابع عشرها: الصلاة على الميت، والدعاء له في الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحي عليه، وهو عمل غيره، ثامن عشرها: أن الجمعة تحصل باجتماع العدد كذلك الجماعة بكثرة العدد، وهو انتفاع للبعض ببعض، تاسع عشرها: أن الله تعالى قال لنبيه- صلى الله عليه وسلم- {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}[الأنفال:33] وقال تعالى: {ولولا رجال من مؤمنون ونساء مؤمنات} [الفتح: 25] وقال تعالى:{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض}[البقرة:250] فقد دفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض، وذلك انتفاع بعمل الغير، عشرونها: إن صدقة الفطر تجب على الصغير، وغيره ممن يعوله الرجل فإنه ينتفع بذلك من يخرج، ولا سعى له فيها، حادي عشرينها: أن الزكاة تجب في مال الصبي، والمجنون ويثاب على ذلك، ولا سعى له، ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فكيف يجوز أن يتناول الآية الكريمة على خلاف صحيح الكتاب والسنة وإجماع الأمة/12.
[4809]:هذا كما يقال: لا أملك إلا ما أكسب، لم يكن ذلك نفيا للانتفاع بشيء غير كسبه فإنه قد يحصل له أشياء أخر لكن الذي هو مالكه، وفي تحت يده واختياره ما كسب/12 وجيز.