الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

قوله : { وَأَن لَّيْسَ } : هي المخففةُ أيضاً . ولم يُفْصَلْ هنا بينها وبين الفعلِ لأنه لا يَتَصَرَّفُ . ومحلُّها الجرُّ أو الرفعُ أو النصبُ لعَطْفِها على أَنْ قبلَها ، وكذلك محلُّ " وأَنَّ سَعْيَه " و " يُرَى " مبني للمفعول فيجوزُ أَنْ يكونَ من البصرية أي : يُبْصَر ، وأن يكونَ من العِلميَّة ، فيكونُ الثاني محذوفاً أي : يُرى حاضراً ، والأولُ أوضحُ . وقال مكي : " وأجاز الزجَّاج " يَرى " بفتح الياء على إضمارِ الهاءِ أي : سوفَ يَراه ، ولم يُجِزْه الكوفيون لأنَّ سَعْيَه يَصير قد عملَ فيه " أنَّ " و " يَرى " وهو جائزٌ عند المبرد وغيرِه ؛ لأن دخولَ " أنَّ " على " سَعْيَه " وعملَها يَدُلُّ على أن الهاء المحذوفة مِنْ " يَرَى " ، وعلى هذا جَوَّز البصريون : " إنَّ زيداً ضربْتُ " بغير هاء " . قلت : وهو خلافٌ ضعيفٌ ؛ توهَّموا أن الاسمَ تَوَجَّه عليه عاملان مختلفان في الجنسيةِ ، وإنما قلتُ في الجنسية لأنَّ رأيَ بعضِهم أنه يُعْمِلُ فعلَيْن في معمولٍ واحدٍ ، ومنه بابُ التنازع في بعض صورِه نحو : قام وقعد زيدٌ ، وضربْتُ وأكرمْتُ عَمْراً ، وأن يعملَ عاملٌ واحدٌ في اسمٍ وفي ضميرِه معاً نحو : " زيداً ضربتُه " في باب الاشتغال ، وهذا توهُّمٌ باطلٌ لأنَّا نقولُ " سَعْيَه " منصوبٌ ب " أنَّ " ، و " يَرى " متسلِّطٌ على ضميره المقدر .

قلت : فظاهرُ هذا أنه لم يُقْرَأْ به ، وقد حكى أبو البقاء أنه قُرِىء به شاذَّاً ، ولكنه ضَعَّفه مِنْ جهةٍ أخرى فقال : " وقُرِىء بفتح الياء وهو ضعيفٌ ؛ لأنه ليس فيه ضميرٌ يعودُ على اسم " أنَّ " وهو السَّعْي ، والضميرُ الذي فيه للهاءِ ، فيبقى الاسمُ بغير خبرٍ ، وهو كقولِك : " إنَّ غلامَ زيدٍ قامَ " وأنت تعني : قام زيدٌ ، فلا خبرَ لغلام . وقد وُجِّه على أن التقديرَ : سوف يَراه فتعودُ الهاءُ على السعي وفيه بُعْدٌ " انتهى . وليت شعري كيف توهَّم المانعَ المذكورَ ، وكيف نَظَّره بما ذكر ؟ ثم أيُّ بُعْدٍ في تقدير : سوف يَرى سعي نفسِه ؟ وكأنَّه اطلع على مذهبِ الكوفيين في المنعِ إلاَّ أنَّ المُدْرَك غيرُ المُدْرِك .