لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } أي عمل وهذا في صحف إبراهيم وموسى أيضاً قال ابن عباس هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله تعالى : { ألحقنا بهم ذريتهم } فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء وقيل كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى فأما هذه الأمة فلها ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما روي عن ابن عباس «أن امرأة رفعت صبياً لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال نعم ولك أجراً » أخرجه مسلم وعنه «أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال نعم » .

وفي رواية أن سعد بن عبادة أخا بني سعد وذكر نحوه وأخرجه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها قالت : «إن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال نعم » . أخرجاه في الصحيحين . وفي حديث ابن عباس دليل لمذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعاً . وقال أبو حنيفة : لا يصح حجه وإنما يكون ذلك تمريناً للعبادة . وفي الحديثين الآخرين دليل على أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها . وهو إجماع العلماء .

وكذلك أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين للنصوص الواردة في ذلك ويصح الحج عن الميت حجة الإسلام وكذا لو أوصى بحج تطوع على الأصح عند الشافعي واختلف العلماء في الصوم إذا مات وعليه صوم فالراجع جوازه عنه للأحاديث الصحيحة فيه والمشهور من مذهب الشافعي أن قراءة القرآن لا يصله ثوابها . وقال جماعة من أصحابه : يصله ثوابها . وبه قال أحمد بن حنبل وأما الصلوات وسائر التطوعات فلا يصله عند الشافعي والجمهور . وقال أحمد : يصله ثواب الجميع والله أعلم .

وقيل : أراد بالإنسان الكافر . والمعنى : ليس له من الخير إلا ما عمل هو فيثاب عليه في الدنيا بأن يوسع عليه في رزقه ويعافى في بدنه حتى لا يبقى له في الآخرة خير وروي أن عبد الله بن أبي ابن سلول كان أعطى العباس قميصاً ألبسه إياه فلما مات أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفن فيه فلم يبق له في الآخرة حسنة يثاب عليها . وقيل : ليس للإنسان إلا ما سعى هو من باب العدل فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما يشاء من فضله وكرمه .