المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان } وقوله بعد ذلك { وأنه } ، { وأنه } معطوف كل ذلك على أن المقدرة أولاً في قوله : «أنه لا تزر » وهي كلها بفتح الألف في قراءة الجمهور . وقرأ أبو السمال قعنب «وإن إلى ربك » بكسر الهمزة فيهما وفيما بعدها وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن قوله : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } منسوخ بقوله : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم }{[10723]} [ الطور : 21 ] وهذا لا يصح عندي على ابن عباس ، لأنه خبر لا ينسخ ، ولأن شروط النسخ ليست هنا ، اللهم إلا أن يتجوز في لفظة النسخ ليفهم سائلاً ، وقال عكرمة : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى ، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها ، والدليل حديث سعد بن عبادة قال : يا رسول الله هل لأمي إن تطوعت عنها ؟ قال : نعم{[10724]} . وقال الربيع بن أنس : «الإنسان » الذي في هذه الآية هو الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره . وسأل عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله : { والله يضاعف لمن يشاء }{[10725]} [ البقرة : 261 ] فقال ليس له بالعدل إلا ما سعى ، وله بفضل الله ما شاء الله ، فقبل عبد الله رأس الحسين . وقال الجمهور : الآية محكمة . والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو في اللام من قوله : { للإنسان } فإذا حققت الشيء الذي هو حق الإنسان يقول فيه لي كذا لم يجده إلا سعيه ، وما بعد من رحمة ثم شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو تغمد بفضل ورحمة دون هذا كله فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو له حقيقة . واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن ولا مال . وفرق بعض العلماء بين البدن والمال ، وهي عندي كلها فضائل للعامل وحسنات تذكر للمعمول عنه . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً بالصدقة عن أمه . والسعي : التكسب .


[10723]:من الآية (21) من سورة (الطور).
[10724]:أخرج الإمام أحمد في مسنده عن هشام، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرتني عائشة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتُلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر أن أتصدق عنها؟ قال: نعم، وأخرجه مسلم في صحيحه من عدة طرق، كلها تنتهي إلى هشام، ومعنى "افتُلتت"، ماتت فجأة. قال الإمام ابن حزام النووي في شرحه لصحيح مسلم:"وفي هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها، وهو كذلك بإجماع العلماء، وكذلك أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع، ويصح الحج عن الميت إذا كان حج الإسلام، وكذا إذا وصى بحج التطوع على الأصح عندنا، واختلف العلماء في الصوم إذا مات وعليه صوم، فالراجح جوازه عنه للأحاديث الصحيحة فيه، وأما الصلاة وسائر الطاعات فلا تصله عندنا ولا عند الجمهور، وقال أحمد: يصله ثواب الجميع". وقد وضح القرطبي اسم الرجل كما هنا، وذكر أن الرجل سأل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.
[10725]:من الآية(261) من سورة (البقرة).