محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } أي : إلا سعيه وكسبه .

تنبيهات :

الأول – قال ابن جرير :{[6849]} إنما عنى بقوله : { ألا تزر وازرة وزر أخرى } الذي / ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة ! يقول : ألم يخبر قائل هذا القول ، وضامن هذا الضمان ، بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب : أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } أي : وأنه لا يجازى عامل إلا بعمله ، خيرا كان أو شرا . انتهى .

وظاهر السياق يشعر بنزول الآيات ردا على ما كانوا يتخرصونه ويتمنونه ، ويتحكمون فيه على الغيب لجاجا وجهلا . ومع ذلك فمفهومها الشمولي جليّ .

الثاني – قال السيوطي في ( الإكليل ) : استدل به على عدم دخول النيابة في العبادات عن الحيّ والميت . واستدل به الشافعيّ على أن ثواب القراءة لا يلحق الأموات . انتهى .

وقال ابن كثير : ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن تبعه ؛ أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ، ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء . ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه . وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء . فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليهما .

وأما الحديث الذي رواه مسلم{[6850]} في ( صحيحه ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به ) - فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكدّه وعمله ، كما جاء في الحديث :{[6851]} ( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه ) . والصدقة الجارية- كالوقف / ونحوه – هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال تعالى :{[6852]} { إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم . . . } الآية . والعلم الذي نشره في الناس ، فاقتدى به الناس بعده ، هو أيضا من سعيه وعمله .

وثبت في ( الصحيح ){[6853]} : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعهم ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ) . انتهى .

الثالث – قال الرازي : المراد من الآية بيان ثواب الأعمال الصالحة ، أو بيان كل عمل . نقول : المشهور أنها لكل عمل ، فالخير مثاب عليه ، والشر معاقب به ، والظاهر أنه لبيان الخيرات ، يدل عليه اللام في قوله تعالى : { للإنسان } فإن اللام لعود المنافع ، و ) على ) لعود المضار . تقول : هذا له ، وهذا عليه ، ويشهد له ويشهد عليه ، في المنافع والمضارّ . وللقائل الأول أن يقول بأن الأمرين إذا اجتمعا غلب الأفضل ، كجموع السلامة تذكّر ، إذا اجتمعت الإناث مع الذكور . وأيضا يدل عليه قوله تعالى : { ثم يجزاه الجزاء الأوفى } و { الأوفى } لا يكون إلا في مقابلة الحسنة ، وأما في السيئة فالمثل أو دونه ، أو العفو بالكلية . انتهى .


[6849]:انظر الصفحة رقم 74 من الجزء السابع والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.
[6850]:أخرجه مسلم في: 25- كتاب الوصية، حديث رقم 14(طبعتنا(.
[6851]:أخرجه النسائي في: 44- كتاب البيوع، 1- باب الحث على الكسب، عن عائشة.
[6852]:[36/ يس/ 12].
[6853]:أخرجه مسلم في: 47- كتاب العلم، حديث رقم 16(طبعتنا(.