صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (36)

{ إن عدة الشهور . . } كانت الأشهر الحرم الأربعة : رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم – معظمة في الجاهلية ومحرما فيها القتال ، فإذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر ، فيستحلون المحرم ويحرمون صفرا ، فإذا احتاجوا إليه أحلوه وحرموا ما بعده ، وهكذا حتى استدار التحريم على شهور السنة كلها ، وقد يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا ، أو أربعة عشر ليتسع لهم الوقت ، ويحرموا أربعة منها . وكان يختلف وقت حجهم تبعا لذلك وقد أبطل الله هذا النسئ الذي ابتدعوه وحرمه في هذه الآية ، و أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق ب ( أن الزمن قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ورجب مضر ) ، وعاد يوم الحج الأكبر إلى ما كان عليه في عهد إبراهيم وإسماعيل وهو العاشر من ذي الحجة كل عام وعظمت الأشهر الحرم في الإسلام ، وجعلت المعصية فيها أعظم وزرا منها في غيرها ، كارتكابها في الحرم وفي حال الإحرام ، ولله تعالى أن يميز بعض الأزمنة عن بعض بالفضل والتعظيم ، إلا أن القتال فيها إعلاء لكلمة الله غير محرم في الإسلام ، كما كان محرما في الجاهلية ، لأن الشرك ظلم وفتنة وفساد ، وخطره أشد من خطر القتال فيها ، كما قال تعالى .

{ و الفتنة أشد من القتل }{[180]} ولذا قال تعالى : { و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } ولم يستتن القتال في الأشهر الحرم ، فدل على جوازه فيها كغيرها من الأشهر ، وإليه ذهب الجمهور وخالف في ذلك عطاء بن أبي رباح ، فذهب إلى أنه لا يحل القتال فيها ولا في الحرم إلا أن يكون دفاعا ويؤيد الجمهور أنه صلى الله عليه وسلم حاصر الطوائف وغزا هوازن بحنين في شوال وذي القعدة سنة ثمان من الهجرة . وقوله : { ذلك الدين القيم } أي كون العدة كذلك ، وتحريم الأربعة منها هو الدين المستقيم دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام .

{ فلا تظلموا فيهن أنفسكم } بارتكاب المعاصي ، فإنها فيهن أعظم وزرا .


[180]:آية 191 البقرة