بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (36)

قوله تعالى :

{ إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كتاب الله } ، فأعلم الله تعالى المسلمين أن عدة الشهور التي يعدون اثنا عشر شهراً على منازل العمر ، فجعل حجهم وأعيادهم وصيامهم على هذا العدد ؛ فالحج والصوم يكون مرة في الشتاء ومرة في الصيف . وكانت أعياد أهل الكتاب في متعبداتهم في سنتهم على حساب دوران الشمس على كل سنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً ، فجعل شهور المسلمين بالأهلة ؛ كما قال الله تعالى : { يَسْألُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا ولكن البر مَنِ اتقى وَأْتُواْ البيوت مِنْ أبوابها واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ البقرة : 189 ] ويقال : { إِنَّ عِدَّةَ الشهور } ، يعني : عدة الشهور التي وجبت عليكم الزكاة فيها اثنا عشر شهراً { فِى كتاب الله } ، يعني : في اللوح المحفوظ { يَوْمَ خَلَقَ * السماوات والأرض } ، كتبها عليكم . { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } ، يعني : رجب وذا القعدة وذا الحجة والمحرم .

{ ذلك الدين القيم } ، يعني : ذلك الحساب المستقيم ، لا يزاد ولا ينقص . وقال مقاتل بن حبان : { ذلك الدين القيم } يعني : ذلك القضاء البيِّن ، وهكذا قال الضحاك . ثم قال : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } ، قال بعضهم : في الأربعة أشهر ، وقال قتادة : الظلم في الشهر الحرام أعظم وزراً مما سوى ذلك ، وإنْ كان الظلم على كل حال غير جائز ، ولكن الله تعالى يعظم من أمره ما يشاء . ويقال : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } ، يعني : في هذه الاثني عشر شهراً ، ويقال : هو على وجه التقديم ، إنّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً ، فلا تظلموا فيهن أنفسكم ، منها أربعة حرم ، يعني : وخاصة في الأربعة أشهر .

ثم قال : { وَقَاتِلُواْ المشركين كَافَّةً } ، يعني : جميعاً في الشهر الحرام وغيره . وكان القتال في الشهر الحرام محرماً ، فنسخ بهذه الآية وصار مباحاً في جميع الشهور وقال بعضهم : هو غير مباح ، ومعنى هذه الآية { وقاتلوا المشركين كافة } ، إن قاتلوكم في الشهر الحرام ، وإن لم يقاتلوكم لا يجوز . والقول الأول أصح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حاصر الطائف في الشهر الحرام ، ثم افتتحها بعد ما مضى الشهر الحرام ؛ فلو كان القتال حراماً ، لم يحاصرهم في الشهر الحرام . { كَمَا *** يقاتلوكم *** كَافَّةً } . ثم قال : { واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين } ، يعني : معينهم وناصرهم .