النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (36)

قوله عز وجل : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شهْراً } يعني شهور السنة ، وإنما كانت اثني عشر شهراً لموافقة الأهلة ولنزول الشمس والقمر في اثني عشر برجاً يجريان فيها على حساب متفق كما قال الله تعالى : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }{[1234]}

{ . . . مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } يعني أن من الاثني عشر شهراً أربعة حرم ، يعني بالحرم تعظيم انتهاك المحارم فيها ، وهو ما رواه صدقة بن يسار عن ابن عمر قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى في وسط أيام التشريق فقال : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ فَهُوَ اليَومُ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهراً مِنهَا أَرْبَعَةٌ حَرُمٌ ، أَوّلُهُنَّ رَجَبُ مُضَرَ بيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ " {[1235]} .

{ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } فيه وجهان :

أحدهما : أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفي ، قاله ابن قتيبة .

والثاني : يعني القضاء الحق المستقيم ، قاله الكلبي .

{ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } فيه أربعة{[1236]} أوجه :

أحدها : فلا تظلموها بمعاصي الله تعالى في الشهور الاثني عشر كلها ، قاله ابن عباس .

والثاني : فلا تظلموها بمعاصي الله في الأربعة الأشهر ، قاله قتادة .

والثالث : فلا تظلموا أنفسكم في الأربعة الأشهر الحرم بإحلالها بعد تحريم الله تعالى لها ، قاله الحسن وابن إسحاق .

والرابع : فلا تظلموا فيها أنفسكم أي تتركوا فيها قتال عدوكم ، قاله ابن بحر{[1237]} .

فإن قيل : فلم جعل بعض الشهور أعظم حرمة من بعض ؟

قيل : ليكون كفهم فيها عن المعاصي ذريعة إلى استدامة الكف في غيرها توطئة للنفس على فراقها مصلحة منه في عباده ولطفاً بهم .


[1234]:آية 5 الرحمن وفي الأصول: والشمس . . . وهو خطأ من الناسخ.
[1235]:رواه البخاري في تفسير سورة التوبة، وأبو داود في المناسك.
[1236]:في ق: ثلاثة أوجه.
[1237]:هذا الوجه سقط من ق.