الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} (71)

قوله : { واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه } إلى قوله { من المسلمين }[ 71-72 ] .

قوله : وشركاؤهم : قال الكسائي ، والفراء : هو بمعنى : وادعوا شركاءكم{[31319]} .

وقال المبرد : نصبه على المعنى ، كما قال متقلدا{[31320]} سيفا ورمحا ، وقال الزجاج هو مفعول معه{[31321]} .

وروى الأصمعي{[31322]} عن نافع : ( فاجمعوا ) موصولة الألف من : جمع ، وهي قراءة الجحدري{[31323]} . وهما لغتان : جمع وأجمع .

وقرأ الحسن ، وابن أبي إسحاق{[31324]} ، وعيسى{[31325]} ويعقوب{[31326]} : ( فأجمعوا أمركم وشركاؤُكم بالرفع{[31327]} ، عطفا{[31328]} على المضمر في ( أجمعوا ){[31329]} : وحسن ذلك لما حال بينهما بالمفعول ، فقام مقام التوكيد .

وقيل : إن ( الشركاء ){[31330]} رفع بالابتداء ، والخبر محذوف . أي : وشركاؤكم{[31331]} ليجمعوا أمرهم{[31332]} ، والشركاء هنا : الأصنام ، وهي لا تصنع شيئا . إلا أن يكون المعنى على التوبيخ لهم ، كما قال لهم إبراهيم : { بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون }{[31333]} .

ومن نصب ( الشركاء ){[31334]} حمله على المعنى ، أي : وادعوا شركاءكم{[31335]} ، ولا يعطف{[31336]} على الأمر بتغير المعنى . يقال : أجمعت الأمر وعلى الأمر : عزمت عليه{[31337]} فلا معنى لعطف الشركاء على هذا{[31338]} المعنى ، فلابد من إضمار فعل .

ومعنى الآية : إن الله تعالى ذكره ، يقول لنبيه{[31339]} : واتل عليهم يا محمد خبر نوح إذ قال لقومه : يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي ، وشق عليكم تذكيري{[31340]} بآيات الله ، ووعظي إياكم ، فعزمتم على قتلي ، أو طردي من بين أظهركم فعلى{[31341]} الله اتكالي ، وبه ثقتي{[31342]} .

{ فأجمعوا أمركم }[ 71 ] : أي : أعدوا ما تريدون ، واعزموا على ما{[31343]} تشاؤون{[31344]} .

يقال : أجمعت على كذا : إذا عزمت عليه{[31345]} . والشركاء هنا : آلهتهم{[31346]} .

وقوله : { لا يكن أمركم عليكم غمة }[ 71 ] : أي : لا يكن ملتبسا{[31347]} مشكلا{[31348]} ، من قولهم : غم على الناس الهلال : وذلك إذا أشكل عليهم أمره{[31349]} . وقيل معناه : ( ليكن أمركم ظاهرا منكشفا ){[31350]} .

{ ثم اقضوا إلي ولا تنظرون }[ 71 ] : أي : ثم{[31351]} افعلوا ما بدا لكم ولا تؤخروه{[31352]} .


[31319]:انظر هذين القولين في: معاني الفراء 1/473، ومعاني الزجاج 3/27، وإعراب النحاس 2/262.
[31320]:ط: متقلد.
[31321]:قال الزجاج في معانيه 3/28: المعنى: فأجمعوا أمركم مع شركائكم كما تقول: لو تركت الناقة، وفصيلها لرضعها. المعنى: لو تركت مع فصيلها لرضعها.
[31322]:هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي، رواية العرب، والإمام في اللغة، والشعر، والبلدان، له تصانيف عديدة (ت:216 هـ) انظر: الوفيات 3/170، وإنباه الرواة 2/197.
[31323]:انظر هذه القراءة في: السبعة 228، وفيه: أن غير الأصمعي روى عن نافع مثل ما قرأ سائر القراء، ونسبها في شواذ القرآن 63 إلى سلام، وفي قراءة مكي في إعرابه 1/388. وفي المحرر 9/68، أنها أيضا قراءة الأعرج، وأبي رجاء، والزهري، والأعمش، وانظر: الجامع 8/31، والنشر 2/285، والجحدري هو عاصم بن أبي الصباح البصري، حدث عن ابن وثاب، ونصر بن عاصم (ت: 128 هـ). انظر: الغاية 1/349.
[31324]:هو عبد الله الحضرمي النحوي. مقرئ، بصري، أخذ القراءة عن يحيى بن يعمر، ورواها عنه أبو عمرو (ت:117 هـ) انظر الغاية 1/410، ونزهة الألباء.
[31325]:هو أبو عمر عيسى بن عمر الهمداني الكوفي. عرض على عاصم، وغيره. قرأ عليه: الكسائي وخلق، (ت: 156 هـ) انظر: الغاية 1/612-613.
[31326]:هو أبو محمد، يعقوب بن إسحاق البصري، أحد القراء العشرة، وإمام القراءة في البصرة (ت:117 هـ) انظر: طبقات النحويين 51، والغاية 2/386.
[31327]:انظر هذه القراءة في: جامع البيان 15/149، والمبسوط 235، والنشر 2/286، والإتحاف 2/117.
[31328]:ساقط من ق.
[31329]:ق: فأجمعوا. وانظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/261، والمحرر 9/68.
[31330]:ط: الشرك.
[31331]:ط: مطموس.
[31332]:في النسخة ط زيادة لم أتبينها.
[31333]:الأنبياس: 63.
[31334]:وهي قراءة جمهور القراء سوى الحسن، وابن أبي إسحاق على القول المشهور، ومن ورد ذكرهم في القراءة السابقة (انظر هامشها).
[31335]:غريب القرآن 198.
[31336]:ق: تعطف.
[31337]:انظر اللسان: جمع.
[31338]:ق: معنى.
[31339]:ط: صم.
[31340]:ط: بذكري.
[31341]:ق: فعل.
[31342]:وهو تفسير الطبري في: جامع البيان 15/147.
[31343]:ساقطة من ق.
[31344]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/147.
[31345]:انظر هذا التفسير في: معاني الفراء 1/473، وجامع البيان 15/147، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أبو داود من حديث أم المؤمنين حفصة بنت عمر: "من لم يجمع على الصوم من الليل فلا صوم له". انظر: سنن أبي داود 2/329 كتاب الصوم، باب: النية في الصيام.
[31346]:انظر هذا التفسير في: جامع البيان 15/149.
[31347]:في النسختين معا ملبسا. ولعل الصواب ما أثبت.
[31348]:وهو قول الطبري في: جامع البيان 15/149.
[31349]:اللسان: غمم.
[31350]:في النسختين معا متكشفا، والتصويب من الطبري.
[31351]:ساقط من ق.
[31352]:انظر هذا التوجيه في: غريب القرآن 198، ومعاني الزجاج 3/29، والمحرر 9/70.