الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ} (11)

ثم قال تعالى : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } أي : ثم ارتفع إلى السماء ارتفاع قدره لا ارتفاع نقلة .

( وهي دخان ) ، روي أن الدخان كان من تنفس السماء .

{ فقال لها وللأرض إيتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } ، أي : قال لهما جيئا بما خلقت فيكما . أما أنت يا سماء فأطلعي{[60130]} ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم ، وأما أنت يا أرضي فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات وتشقق{[60131]} عن الأنهار ، فقالتا{[60132]} : أتينا طائعين بما أحدث فينا من خلقنا ، هذا معنى ما روى مجاهد عن ابن عباس{[60133]} .

ومعنى إخباره تعالى عن السماء والأرض بالقول أنه جعل تبارك وتعالى فهما ما يميزان{[60134]} به ويجيبان عما قيل لهما{[60135]} وذلك لا يعجزه تعالى إذا أراده .

وقال المبرد : هذا إخبار عن الهيئة ، أي : صارتا{[60136]} في هيئة من قال ذلك{[60137]} بتكوينه تعالى لما أراد فيهما ، كقول الشاعر : امتلأ الحوض{[60138]} ، وقال : قطى{[60139]} ، أي : صار في هيئة من يقول ذلك .

وقيل : معناه أنه أخبرنا الله ( عز وجل ){[60140]} بما نعرف من سرعة الإجابة فخبر عن السماوات والأرض بسرعة التكوين على ما أراد وأما قوله : { طائعين } ، فقال الكسائي معناه : أتينا{[60141]} بمن فينا طائعين{[60142]} .

وقيل : إنما جاء ذلك بالياء والنون لأنه أخبر{[60143]} عنهما كما يخبر عمن يعقل من الذكور{[60144]} فجاء على لفظ الإخبار عمن يعقل{[60145]} .

قال ابن عباس : خلق الأرض أولا{[60146]} ، ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض ، فلذلك قال : { والأرض بعد ذلك دحاها }{[60147]} .

قال وهب بن منبه : خلق الله تعالى الريح فسلطها على الماء فضربت الماء حتى صار أمواجا وزبدا ، فجعل يفور من الماء دخان ويصعد في الهواء ، فأمر الله تبارك وتعالى الزبد فجمد فمنه الأرض{[60148]} ، وأمر الأمواج فجمدت فجعلها جبالا رواسي ، { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إيتنا طوعا وكرها قالتا أتينا طائعين/ فقضاهن سبع سماوات في يومين } . وكانت السماء ملتصقة بالأرض فأمرها فارتفعت من الأرض على الهواء . { وأوحى في كل سماء أمرها } وقال للسماء الدنيا : كوني زمردة خضراء ، وللثانية كوني فضة بيضاء ، والثالثة كوني ذرة{[60149]} حمراء ، وللرابعة{[60150]} كوني ذرة بيضاء وللخامسة : كوني ذهبة حمراء ، وللسادسة : كوني ياقوتة صفراء ، وللسابعة : كوني نورا على نور يتلألأ ، وفي كل سماء ملائكة قد طبقها بهم بين راكع وباك ومسبح وقائم .


[60130]:(ت) فاطلع.
[60131]:(ح): وتشققا.
[60132]:(ت): وقالتا.
[60133]:انظر: جامع البيان 24/64، وجامع القرطبي 15/343، وتفسير ابن كثير 4/34. وقد أورد السيوطي في الدر المنثور هذا التفسير عن ابن عباس فقط 7/317.
[60134]:في طرة (ت).
[60135]:ساقط من (ح).
[60136]:(ح): صارت.
[60137]:كذا في (ت) و(ح).
[60138]:الذي في الكامل للمبرد 1/399: (لم يكن كلام إنما فعل عز وجل ما أراد فوجد. قال الراجز: قد خنق الحوض وقال قَطْني *** سلا رويدا قد ملأت بطني ولم يكن كلام إنما وجد ذلك فيه وقوله: (لم يكن كلام) لعل (كان) هنا تامة.
[60139]:(ح): (قضن). وفي (ت) قطي، ولعل الصواب: قطني، كما ورد في الرجز [المدقق].
[60140]:(ح) جل وعز.
[60141]:ساقط من (ح).
[60142]:انظر: مشكل إعراب القرآن 2/640.
[60143]:ساقط من (ت).
[60144]:(ح): الذكر.
[60145]:قال بهذا التفسير الزجاج في إعرابه 4/904. وورد مجهول القائل في مشكل إعراب القرآن 2/640 وجامع البيان 24/64، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/337، وجامع القرطبي 15/344.
[60146]:(ح) أول.
[60147]:النازعات: 30.
[60148]:(ت): منه.
[60149]:كذا في (ت) و(ح) ذرة بذال معجمة، ولعله تصحيف لذال مهملة. جاء في اللسان (مادة: درر): الدرة: اللؤلؤة العظيمة.
[60150]:(ح): والرابعة.