الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

قوله تعالى : { وجعل فيها رواسي من فوقها } – إلى قوله – { طائعين }[ 9-10 ] .

أي : وجعل في الأرض جبالا تثقلها أن تميل ) {[60061]} بمن فوقها ، وذلك يوم الثلاث {[60062]} على ما تقدم ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لليهود حين سألوه : " وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات ( بقين ) {[60063]} منه ، ( فخلق أول ساعة من الثلاث : الآجال حين يموت من مات ) {[60064]} ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وخلق في الثالثة آدم {[60065]} وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له ، وأخرجه منها في آخر ساعة " .

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن اليهود قالت له بعدما أجابهم بهذه الجوابات ، ثم ماذا يا محمد ؟ قال : " ثم استوى ( على ) {[60066]} العرش " قالوا ( قد أصبت ) {[60067]} لو أتممت فقلت : ثم استراح ! فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من قولهم غضبا شديدا وأنزل الله عز وجل عليه {[60068]} : { ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون } {[60069]} {[60070]} .

وقال ابن عباس : خلق الله يوما واحدا سماه الأحد ، ثم خلق ثانيا سماه الاثنين ، ثم خلق ثالثا سماه الثلاثاء {[60071]} ، ثم رابعا ( سماه الأربعاء ) {[60072]} ثم خامسا سماه الخميس . قال : فخلق الله عز وجل الأرض في يومين الأحد والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء {[60073]} – فلذلك يقول الناس : هو يوم ثقيل – وخلق الأنهار والأشجار {[60074]} يوم الأربعاء ، وخلق الطيور والوحوش والهوام والسباع {[60075]} يوم الخميس ، وخلق الإنسان – وهو آدم {[60076]} – يوم الجمعة ففزع من خلق {[60077]} كل شيء يوم الجمعة {[60078]} .

وقال أبو هريرة : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : " خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه ، يوم الثلاثاء {[60079]} وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم {[60080]} بعد العصر يوم الجمعة آخر خلق في آخر {[60081]} ساعة من {[60082]} يوم الجمعة {[60083]} " ، وعن ابن عباس وعبد الله بن سلام {[60084]} أنهما قالا : ابتدأ الله جل ذكره خلق الأرض يوم الأحد ، فخلق سبع أرضين في {[60085]} يوم الأحد ويوم الاثنين ، ثم جعل في {[60086]} الأرض {[60087]} رواسي ، وشق الأنهار ، وخلق الأشجار ، وجعل المنافع في يومين : يوم الثلاثاء {[60088]} ويوم الأربعاء ، ثم استوى إلى السماء فجعلها سبع سماوات في يوم الخميس ويوم الجمعة .

قال ابن عباس : ولذلك سميت يوم الجمعة لأنها اجتمع فيها الخلق .

قال ابن سلام : فقضاهن سبع سماوات في آخر ساعة من يوم الجمعة ، ثم خلق آدم {[60089]} فيها على عجل وهي {[60090]} الساعة التي تقوم فيها القيامة .

قال مجاهد : كل يوم كألف سنة مما تعدون {[60091]} .

قال بعض العلماء : لو أراد الله {[60092]} تعالى ذكره لخلقها كلها في وقت واحد ، ولكنه أراد ما فيه الصلاح ، وذلك لتتبين ملائكته أثر الصنعة شيئا بعد شيء فتزداد في بصائرها {[60093]} .

وقوله تعالى / {[60094]} { وبارك فيها } معناه : جعلها دائمة الخير لأهلها .

وقال السدي : بارك فيها ، أي أنبت {[60095]} شجرها {[60096]} .

وقيل : معناه : زاد فيها من صنوف ما خلق {[60097]} من الأرزاق وثبته فيها .

والبركة : الخير الثابت .

وقوله : { وقدر فيها أقواتها } ، أي قدر فيها أرزاق أهلها ومعايشهم {[60098]} قاله الحسن وابن زيد {[60099]} .

وقال قتادة : أقواتها : صلاحها {[60100]} .

وعن قتادة أيضا : وقدر فيها أقواتها ، أي : خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها وساكنها {[60101]} من الدواب كلها {[60102]} .

وقال مجاهد : وقدر فيها أقواتها ، يعني : من المطر ( الذي به تنبت ) {[60103]} الأقوات لجميع الخلق {[60104]} .

وقال عكرمة : ( وقدر فيها أقواتها ) ، معناه : قدر في كل بلد منها ما لم يجعله في الآخر منها ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد ، ينقل من بلد إلى بلد ما ليس في أحدهما {[60105]} من المتاع والطعام وغيره {[60106]} .

وروي مثل هذا عن مجاهد أيضا ، وهو قول الضحاك {[60107]} .

وقوله : { في أربعة أيام } ، أي : خلق ( ذا وذلك ) {[60108]} في أربعة أيام ، أي : خلق الأرض والجبال ، وبارك في الأرض وقدر فيها أقواتها ، كل ذلك خلقه في أربعة أيام ، أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الأربعاء .

وقد غلط {[60109]} قوم فأضافوا أربعة أيام كاملة إلى اليومين {[60110]} المتقدمين {[60111]} {[60112]} . وهذا كقولك : بنيت الدار في يومين وأتممتها وفرغت من جميع {[60113]} إصلاحها في ثمانية أيام ، فاليومان داخلان في الثمانية وبهما تمت الثمانية ( لأنها ) {[60114]} ( كلها كشيء ) {[60115]} واحد كما كانت الأرض وما فيها من مصالحها شيئا واحدا . فدخلت العدة {[60116]} الأولى في الثمانية {[60117]} .

ولو قلت : اشتريت الدار في يومين ، والعبيد والثياب في أربعة أيام ، لم تدخل اليومان في الأربعة لاختلاف أنواع المشترى ، ولا يكون ذلك إلا ستة أيام . فاعرف الفرق .

وقوله : { سواء للسائلين } ، أي : سواء لمن سأل عن مبلغ الأجل الذي خلق الله فيه الأرض والجبال والشجر والأنهار والبحار {[60118]} وقدر الأقوات وغير ذلك من المنافع ، قاله قتادة والسدي {[60119]} ، وهو معنى قول ابن عباس {[60120]} .

وقيل : معناه : سواه لمن سأل ربه شيئا مما به الحاجة إليه من الأرزاق {[60121]} ، فإن الله قدر له من الأقوات في الأرض على قدر مسألته ، وكذلك قدر لكل سائل ، قاله ابن زيد {[60122]} .

وقال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين {[60123]} . وإليه نزع {[60124]} ابن زيد في قوله . وهو اختيار الطبري {[60125]} .

فالمعنى {[60126]} : وقدر فيها أقواتها سواء لسائليها على ما بهم {[60127]} الحاجة إليه وما يصلحهم ، وقد تقدم الكلام في إعراب ( سواء ) وقراءته {[60128]} .

ولو شاء جل ذكره لخلق جميع ذلك وأضعافه في وقت واحد ، وهو الوقت الذي لا وقت أسرع منه ، ولا أقل تقضيا منه ، فهو على ذلك قادر ، وإنما خلق جميع ذلك شيئا بعد شيء لتستدل {[60129]} ملائكته استدلالا بعد استدلال على قدرته . والله أعلم بذلك .


[60061]:(ح): تميد.
[60062]:كذا في (ت) و(ح). ولعلها (الثلاثاء).
[60063]:(ت) و(ح): مضت والتصويب من مصادر تخريج الحديث الواردة أسفله.
[60064]:ساقط من (ت) و(ح). والتصويب من مصادر تخريج الحديث كجامع البيان 24/61.
[60065]:(ح): آدم صلى الله عليه وسلم.
[60066]:(ت) و(ح): إلى. والتصويب من مصادر تخريج الحديث أسفله.
[60067]:(ح): صدقت.
[60068]:ساقط من (ح).
[60069]:ق: 38 و39. والحديث أخرجه ابن جرير في جامع البيان 24/61، والحاكم في مستدركه 2/543، وقال: صحيح الإسناد لم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص 2/543، وقال: (صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي في التلخيص 2/543 إلا أنه أضاف أن أبا سعيد البقال، قال عنه ابن معين: لا يكتب حديثه. وأورده ابن كثير في تفسيره 4/95 ثم قال: (هذا الحديث فيه غرابة).
[60070]:وقد أضاف السيوطي في الدر المنثور 7/314 تخريجه إلى النحاس في ناسخه وأبي الشيخ في العظمة وابن مردويه. أخرجه كل هؤلاء عن ابن عباس بمعناه.
[60071]:(ح): الثلاث.
[60072]:في طرة (ت).
[60073]:(ح): الثلاث.
[60074]:(ح): الشجر.
[60075]:في طرة (ت).
[60076]:(ح): آدم صلى الله عليه وسلم.
[60077]:فوق السطر في (ت)، وساقط من (ح).
[60078]:انظر: جامع البيان 24/61، والمحرر الوجيز 14/165.
[60079]:الثلاث.
[60080]:(ح) آدم صلى الله عليه وسلم.
[60081]:في طرة ت.
[60082]:فوق السطر في (ت).
[60083]:أخرجه مسلم في: المنافقين باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام ج 4/2149، وأحمد 2/328. وقال ابن كثير في تفسيره 4/95: (وهو من غرائب الصحيح، وقد علله البخاري في التاريخ فقال رواه بعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار, وهو الأصح).
[60084]:هو عبد الله بن سلام بن الحارث أبو يوسف، الخزرجي الأنصاري، من مسلمة أهل الكتاب، أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. شهد مع عمر فتح بيت المقدس والجابية، ولما كانت الفتنة بين علي ومعاوية، اتخذ سيفا من خشب، واعتزلها توفي سنة 43 هـ. انظر: الاستيعاب 3/921 ت 1561، والإصابة 2/320 ت 4725.
[60085]:فوق السطر في (ت).
[60086]:فوق السطر في (ت).
[60087]:(ح): الأرضين.
[60088]:(ح): الثلاث.
[60089]:(ح): آدم صلى الله عليه وسلم.
[60090]:(ت): وهو.
[60091]:انظر: إعراب النحاس 4/49.
[60092]:ساقط من (ت).
[60093]:انظر: إعراب النحاس 4/48.
[60094]:ساقط من (ح).
[60095]:(ح): أثبت.
[60096]:انظر: جامع البيان 24/62، وجامع القرطبي 15/342.
[60097]:(ح): مخلق.
[60098]:(ح): (ومعايشهم وقدر فيها أقواتها) و(ت): ومعاشهم.
[60099]:انظر: جامع البيان 24/62، وفي جامع القرطبي 15/342 عن الحسن فقط.
[60100]:انظر: جامع البيان 24/62.
[60101]:(ح): ومساكنها.
[60102]:انظر: جامع البيان 24/62، والمحرر الوجيز 14/166، وجامع القرطبي 15/342.
[60103]:(ح): (التي نبت به).
[60104]:انظر: تفسير مجاهد 2/569، وجامع البيان 24/62، والمحرر الوجيز 14/167.
[60105]:(ح): أخراها.
[60106]:انظر: جامع البيان 24/62، والمحرر الوجيز 14/167، وجامع القرطبي 15/342، وتفسير ابن كثير 4/94.
[60107]:انظر: جامع البيان 24/62، والمحرر الوجيز 14/167، وجامع القرطبي 15/342، وتفسير ابن كثير 4/94. وقد أورد القرطبي هذا التفسير عن الضحاك فقط، وأورده ابن كثير عن مجاهد فقط.
[60108]:(ح): ذلك.
[60109]:(ت): غلظ.
[60110]:(ح): يومين.
[60111]:(ح): (المتقدمين فصار خلق الأرض وما فيها في ستة أيام وذلك غلط وإنما تمت الأربعة باليومين المتقدمين).
[60112]:وممن قال: إنها ستة أيام ابن سلام مستدلا بقوله تعالى في سورة السجدة: {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة آيام} الآية 6، انظر: التصاريف 350.
[60113]:ساقط من (ح).
[60114]:(ت) و(ح): لأنه.
[60115]:(ح): كله لشيء.
[60116]:وطرة في (ت).
[60117]:وقال بهذا التفسير أيضا الأخفش في معانيه 2/681 وجامع البيان 24/63.
[60118]:ساقط من (ح).
[60119]:انظر: جامع البيان 24/63، والمحرر الوجيز 14/167. وقد أورد ابن كثير هذا التفسير مختصرا 4/94.
[60120]:انظر: تفسير ابن كثير 4/94.
[60121]:(ح): الرزق.
[60122]:انظر: جامع البيان 24/63، وتفسير ابن كثير 4/94. وقد قال بمعنى هذا التفسير أيضا ابن سلام في التصاريف 111.
[60123]:انظر: جامع القرطبي 15/343. ولم أقف على هذا القول في معاني الفراء 3/13.
[60124]:(ح): تدع.
[60125]:انظر: جامع البيان 24/63.
[60126]:ساقط من (ح).
[60127]:(ت): ماهم.
[60128]:انظر: ذلك في الصفحة 6484.
[60129]:(ح): ليستدل.