قوله تعالى : { وجعل فيها رواسي من فوقها } – إلى قوله – { طائعين }[ 9-10 ] .
أي : وجعل في الأرض جبالا تثقلها أن تميل ) {[60061]} بمن فوقها ، وذلك يوم الثلاث {[60062]} على ما تقدم ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لليهود حين سألوه : " وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات ( بقين ) {[60063]} منه ، ( فخلق أول ساعة من الثلاث : الآجال حين يموت من مات ) {[60064]} ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وخلق في الثالثة آدم {[60065]} وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له ، وأخرجه منها في آخر ساعة " .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن اليهود قالت له بعدما أجابهم بهذه الجوابات ، ثم ماذا يا محمد ؟ قال : " ثم استوى ( على ) {[60066]} العرش " قالوا ( قد أصبت ) {[60067]} لو أتممت فقلت : ثم استراح ! فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من قولهم غضبا شديدا وأنزل الله عز وجل عليه {[60068]} : { ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون } {[60069]} {[60070]} .
وقال ابن عباس : خلق الله يوما واحدا سماه الأحد ، ثم خلق ثانيا سماه الاثنين ، ثم خلق ثالثا سماه الثلاثاء {[60071]} ، ثم رابعا ( سماه الأربعاء ) {[60072]} ثم خامسا سماه الخميس . قال : فخلق الله عز وجل الأرض في يومين الأحد والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء {[60073]} – فلذلك يقول الناس : هو يوم ثقيل – وخلق الأنهار والأشجار {[60074]} يوم الأربعاء ، وخلق الطيور والوحوش والهوام والسباع {[60075]} يوم الخميس ، وخلق الإنسان – وهو آدم {[60076]} – يوم الجمعة ففزع من خلق {[60077]} كل شيء يوم الجمعة {[60078]} .
وقال أبو هريرة : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : " خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه ، يوم الثلاثاء {[60079]} وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم {[60080]} بعد العصر يوم الجمعة آخر خلق في آخر {[60081]} ساعة من {[60082]} يوم الجمعة {[60083]} " ، وعن ابن عباس وعبد الله بن سلام {[60084]} أنهما قالا : ابتدأ الله جل ذكره خلق الأرض يوم الأحد ، فخلق سبع أرضين في {[60085]} يوم الأحد ويوم الاثنين ، ثم جعل في {[60086]} الأرض {[60087]} رواسي ، وشق الأنهار ، وخلق الأشجار ، وجعل المنافع في يومين : يوم الثلاثاء {[60088]} ويوم الأربعاء ، ثم استوى إلى السماء فجعلها سبع سماوات في يوم الخميس ويوم الجمعة .
قال ابن عباس : ولذلك سميت يوم الجمعة لأنها اجتمع فيها الخلق .
قال ابن سلام : فقضاهن سبع سماوات في آخر ساعة من يوم الجمعة ، ثم خلق آدم {[60089]} فيها على عجل وهي {[60090]} الساعة التي تقوم فيها القيامة .
قال مجاهد : كل يوم كألف سنة مما تعدون {[60091]} .
قال بعض العلماء : لو أراد الله {[60092]} تعالى ذكره لخلقها كلها في وقت واحد ، ولكنه أراد ما فيه الصلاح ، وذلك لتتبين ملائكته أثر الصنعة شيئا بعد شيء فتزداد في بصائرها {[60093]} .
وقوله تعالى / {[60094]} { وبارك فيها } معناه : جعلها دائمة الخير لأهلها .
وقال السدي : بارك فيها ، أي أنبت {[60095]} شجرها {[60096]} .
وقيل : معناه : زاد فيها من صنوف ما خلق {[60097]} من الأرزاق وثبته فيها .
وقوله : { وقدر فيها أقواتها } ، أي قدر فيها أرزاق أهلها ومعايشهم {[60098]} قاله الحسن وابن زيد {[60099]} .
وقال قتادة : أقواتها : صلاحها {[60100]} .
وعن قتادة أيضا : وقدر فيها أقواتها ، أي : خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها وساكنها {[60101]} من الدواب كلها {[60102]} .
وقال مجاهد : وقدر فيها أقواتها ، يعني : من المطر ( الذي به تنبت ) {[60103]} الأقوات لجميع الخلق {[60104]} .
وقال عكرمة : ( وقدر فيها أقواتها ) ، معناه : قدر في كل بلد منها ما لم يجعله في الآخر منها ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد ، ينقل من بلد إلى بلد ما ليس في أحدهما {[60105]} من المتاع والطعام وغيره {[60106]} .
وروي مثل هذا عن مجاهد أيضا ، وهو قول الضحاك {[60107]} .
وقوله : { في أربعة أيام } ، أي : خلق ( ذا وذلك ) {[60108]} في أربعة أيام ، أي : خلق الأرض والجبال ، وبارك في الأرض وقدر فيها أقواتها ، كل ذلك خلقه في أربعة أيام ، أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الأربعاء .
وقد غلط {[60109]} قوم فأضافوا أربعة أيام كاملة إلى اليومين {[60110]} المتقدمين {[60111]} {[60112]} . وهذا كقولك : بنيت الدار في يومين وأتممتها وفرغت من جميع {[60113]} إصلاحها في ثمانية أيام ، فاليومان داخلان في الثمانية وبهما تمت الثمانية ( لأنها ) {[60114]} ( كلها كشيء ) {[60115]} واحد كما كانت الأرض وما فيها من مصالحها شيئا واحدا . فدخلت العدة {[60116]} الأولى في الثمانية {[60117]} .
ولو قلت : اشتريت الدار في يومين ، والعبيد والثياب في أربعة أيام ، لم تدخل اليومان في الأربعة لاختلاف أنواع المشترى ، ولا يكون ذلك إلا ستة أيام . فاعرف الفرق .
وقوله : { سواء للسائلين } ، أي : سواء لمن سأل عن مبلغ الأجل الذي خلق الله فيه الأرض والجبال والشجر والأنهار والبحار {[60118]} وقدر الأقوات وغير ذلك من المنافع ، قاله قتادة والسدي {[60119]} ، وهو معنى قول ابن عباس {[60120]} .
وقيل : معناه : سواه لمن سأل ربه شيئا مما به الحاجة إليه من الأرزاق {[60121]} ، فإن الله قدر له من الأقوات في الأرض على قدر مسألته ، وكذلك قدر لكل سائل ، قاله ابن زيد {[60122]} .
وقال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين {[60123]} . وإليه نزع {[60124]} ابن زيد في قوله . وهو اختيار الطبري {[60125]} .
فالمعنى {[60126]} : وقدر فيها أقواتها سواء لسائليها على ما بهم {[60127]} الحاجة إليه وما يصلحهم ، وقد تقدم الكلام في إعراب ( سواء ) وقراءته {[60128]} .
ولو شاء جل ذكره لخلق جميع ذلك وأضعافه في وقت واحد ، وهو الوقت الذي لا وقت أسرع منه ، ولا أقل تقضيا منه ، فهو على ذلك قادر ، وإنما خلق جميع ذلك شيئا بعد شيء لتستدل {[60129]} ملائكته استدلالا بعد استدلال على قدرته . والله أعلم بذلك .