الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞يَوۡمَ يَجۡمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبۡتُمۡۖ قَالُواْ لَا عِلۡمَ لَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (109)

قوله : { يوم يجمع الله الرسل }{[18642]} الآية [ 111 ] .

المعنى : ( واحذروا يوم يجمع الله الرسل{[18643]} . ومعنى { ماذا أجبتم } : ماذا أجابتكم{[18644]} أممكن حين دعوتموهم{[18645]} ؟ ، فذهلت عقول الرسل عليهم السلام لهول اليوم ، فقالت : { لا علم لنا إنك }{[18646]} ، فلما سئلوا في موضع{[18647]} آخر{[18648]} ورجعت{[18649]} إليهم عقولهم أجابوا{[18650]} .

وقيل : المعنى : لا علم لنا ، لأنك{[18651]} أعلم به منا{[18652]} . وقال ابن عباس : لا{[18653]} علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا{[18654]} . وهو اختيار الطبري ، يدل على ذلك أنهم ردوا العلم إليه ، فقالوا { إنك أنت علام الغيوب{[18655]} } .

وقال مجاهد : تنزع أفئدتهم فلا يعلمون ، ثم ترد إليهم أفئدتهم{[18656]} فيعلمون{[18657]} .

وقيل : معناه : لا علم لنا بما عملته{[18658]} أُمَمُنا بعدَنا ، { إنك{[18659]} أنت علام الغيوب }{[18660]} .

وقال ابن جريج : المعنى : ماذا عملت أمتكم بعدكم ؟ ، فيقولون : لا علم لنا حقيقة ، ( أي لا علم لنا ){[18661]} بما غاب عنا ، إنك أنت علام الغيوب{[18662]} .

وَيشُدُّ{[18663]} هذا التأويل{[18664]} قول النبي عليه السلام : " يَرِد عليَّ قوم الحوض [ فَيُخْتَلَجون ]{[18665]} ، فأقول : أمتي ، فيقال{[18666]} : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " {[18667]} .

وقد طُعِن في قول ابن جريج ، لأن الله لا يسأل عما{[18668]} غاب عن الأنبياء ولم يُعلمهم به{[18669]} ، وقد قيل : إن الرسل لا يفزعون{[18670]} ، لأنهم لا خوف عليهم ولا هم{[18671]} يحزنون ، والمعنى : ماذا{[18672]} أجبتم في السر والعلانية ، ومعنى مسألة الله الرسل [ عما ]{[18673]} أجيبوا ، إنما هو بمعنى التوبيخ لمن{[18674]} أرسلوا إليهم{[18675]} ، كما قال : { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت }{[18676]} ، وإنما تُسأل هي على التوبيخ ( لقاتلها ){[18677]} .

وقيل : إنما سألهم الله عن السر والعلانية ، فرَدّوا الأمر إليه ، إذ ليس عندهم إلا علُم الظاهر ، والباطن علمه إلى الله ، لأنه يعلم الغيب ، / وهذا القول أحب الأقوال إليّ ، لأن سؤاله له سؤالاً عاماً يقتضي السؤال عن سر الأمم وعلانيتها{[18678]} ، والسر علمه إلى من يعلم /{[18679]} الغيوب ، ( وهو الله جل ذكره ، فأقروا بأنهم لا علم عندهم منه ، ورَدّوا العلم إلى من يعلم الغيب ){[18680]} .


[18642]:د: الآيات.
[18643]:تفسير الطبري 11/209، وفي معاني الزجاج 2/218: (واتقوا يوم...).
[18644]:ب: أجبتكم.
[18645]:ب: دعوته وهم. وانظر: تفسير الطبري 11/209 – 210.
[18646]:انظر: معاني الفراء 1/324، وغريب ابن قتيبة 148، ومعاني الزجاج 2/218.
[18647]:ب ج د: موطن.
[18648]:ب: أخرى.
[18649]:د: رجعب.
[18650]:هو قول السدي والحسن ومجاهد في تفسير الطبري 11/210.
[18651]:د: انك أنت.
[18652]:(عن مجاهد:...{لا علم لنا إلا ما علمتنا} انظر: تفسير الطبري 11/211. و(تعلم باطنهم، ولسنا نعلم غيبهم) في معاني الزجاج 2/218.
[18653]:ب ج د: المعنى لا.
[18654]:انظر: تفسير الطبري 11/211.
[18655]:انظر: المصدر السابق.
[18656]:د: اقدتهم.
[18657]:رد النحاس في عرابه 1/528 قول مجاهد بفزع الرسل، وانظر: كذلك المحرر 5/228 و229، وأحكام القرطبي 6/361.
[18658]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب: عملت. ج د: عملت به.
[18659]:ساقطة من ب ج د.
[18660]:انظر: قول ابن جريج الذي يليه، وانظر: معانيه الزجاج 2/218.
[18661]:مكررة في د.
[18662]:انظر: تفسير الطبري 11/211.
[18663]:ج د: يشهد.
[18664]:د: التا.
[18665]:مطموسة في أ. ب: فيحتلجون. ج د: فيجتلحون. ومعنى يختلجون: (يجتذبون ويقتطعون). هذا والحَلْج والخلْج: هو المر السريع. أما الجَلَج فهو القلق والاضطراب. انظر: اللسان. خلج وحلج وجلج.
[18666]:ب ج د: فيقال لي.
[18667]:د: بعك. وفي صحيح البخاري – 11/413 في الرقاق – أن سعيد بن المسيب كان يحدث عن أصحاب النبي أن النبي عليه السلام قال: "يرد عليَّ الحوض رجالٌ من أصحابي فيحلوون عنه فأقول: يا ر، أصحابي!، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري"، وانظر: جامع الأصول 10/472. وهذا الحديث ذكره أبو عبيد بعد قول ابن جريج وقال قبله: (ويشبه هذا (أي قول ابن جريج) حديث النبي...) وفيه: (أقوام) يدل (قوم) انظر: أحكام القرطبي 6/361.
[18668]:د: عن ما.
[18669]:انظر: تفسير الطبري 11/212.
[18670]:ج د: تفزعوا.
[18671]:ب ج د: هو.
[18672]:ج د: ما اذ.
[18673]:أ: على ما.
[18674]:ب: لين.
[18675]:انظر: إعراب النحاس 1/528.
[18676]:ساقطة من د. التكوير:8.
[18677]:مخروم بعضها في أ. ساقطة من ب ج د. قال مكي في تفسير آية التكوير: (أي قيل لها): (ومن قَتلكِ، ولأي شيء قُتِلْتِ بغير ذنب؟)، توبيخا لقاتلها: (الهداية إلى بلوغ النهاية: مخطوط الخزانة العامة بالرباط تحت رقم: ق 218.
[18678]:ج د: علانيتهم.
[18679]:كلها مطموسة إلا نادرا، مع بعض الخرم.
[18680]:ساقطة من ج. وانظر: اختيار الطبري في أوائل تفسير الآية التي نحن في رحابها.