تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ} (27)

وقوله تعالى : ( فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ) قيل : أشراف قومه وأئمتهم ( ما نراك إلا بشرا مثلنا ) وكذلك قال عامة القوم لرسلهم الذين بعثوا إليهم ( ما أنتم إلا بشر مثلنا )[ يس : 15 ] كان هذا احتجاجهم في رد الرسالة يحتجون على الرسل فيقول ، والله أعلم إن الرسل في الشاهد إنما يجيئون من عند المرسل ، وأنتم نشأتم من بين أظهرنا لم تأتونا من أحد في الظاهر ، والرسول هو الذي يأتي من عند غيرٍ ، ويكون للرسل خصوصية عند المرسل ، ولا نرى لك خصوصية لا في الخلقة ولا في القدرة والمال وغيره .

فكيف بعثتم إلينا رسلا دون أن نبعث نحن إليكم رسلا إذ أنتم ونحن في الخلقة سواء ، وفي الأمور الظاهرة سواء ؟ أو نحوه[ من م ، في الأصل : نحو ] من الكلام .

واحتجوا على رسلهم في الرسالة ، وكذلك كانت[ في الأصل وم : كان ] عادة الكفرة ؛ كانوا يقولون : إذا لزِمَتْهم الحجة وأقيمت[ في الأصل وم : وأقيم ] عليهم ، نسبوها إلى السحر ، ونسبوا الرسل أنهم بشر مثلهم .

فجواب هذا كله ما ذكر ( إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده )[ إبراهيم : 11 ] وما قال لهم نوح : ( أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده ][ هود : 28 ] .

بمثل هذا يحتج عليهم ويقال أيضا : إنكم لا تنكرون فضل الله وتخصيص بعض على بعض بفضل الدين والرسالة ؟

وقوله تعالى : ( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ ) احتجوا أيضا في رد الرسالة يقولون : إن الأراذل هم أتباع لكل من دعاهم ، وأهل طاعة لكل متبوع ، فليس في اتباع الأراذل إياك والضعفاء دلالة ثبوت رسالتك ؛ إذ هم يتبعون بلا دليل ولا حجة ، وهم فروع وأتباع لغير ، ولم يتبعك أحد من الأصول .

لكن يقال : إن هؤلاء الأراذل لما اتبعوا الرسل ولم يتبعوا الأئمة والرؤساء الذين معهم الأموال والدنيا ، ولم يكن في أيدي الرسل ثم ذلك ، ثم تركوا اتباع أولئك وفي أيديهم ما يدعوهم إليه ، واتبعوا الرسل دل أنهم اتبعوا الرسل [ بالحجج والبراهين ][ في الأصل وم : بالحجة والبرهان ] التي أقاموها عليهم أو نحوها[ في الأصل وم : نحوه ] .

والأراذل قيل : هم السفلة والضعفاء ، وقال القتبي : أراذلنا شرارنا .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل و ] : ( بادي الرأي ) قال بعضهم : ظاهر الرأي ، من قولك بدا لي ما كان خفيا ، وقال بعضهم : ( بادي الرأي ) من قولك : بدا ما كان خفيا ، وقال بعضهم : خفيف الرأي ، لا يعرفون حقائق الأمور وإنما يعرفون ظواهرها كأنهم يقولون : إنما اتبعك من كان خفيف الرأي وباديه ، لم يتبعك[ في الأصل وم : يتعبوك ] من يعرف حقائق الأمور والأصول .

وقد قرئ ( بادي الرأي ) بالهمز[ انظر معجم القراءات القرآنية ج3/106 ] ، وقد قرئ بغير همز . ومن قرأ بالهمز فهو من الابتداء أي في أول الرأي وابتدائه ، لا ينظر في عواقب الأمور . ومن قرأ بغير همز فهو من الظهور أي ظاهر الرأي[ في الأصل وم : بالرأي ] على تفكر ونظر فيه .

وقوله تعالى : ( وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ ) الآية ؛ يحتمل هذا أي فضل[ في الأصل وم : فضلا ] في الخلقة أو في ملك أو مال ولا في شيء ولكن جواب هذا ما سبق .

وقوله تعالى : ( بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) هكذا كانت عادة الكفرة يردون دلالات الرسل والحجج بالظن ، لم يردوا بحقيقة ظهرت .