تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَمَن يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِۦ فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

الآية 29 : وقوله تعالى : { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين } هذا كأنه مقطوع عما سبق ، وتقدم ذكره ، غير موصول به ، لأن ما سبق : هو القول منهم : { اتخذ الرحمان ولدا } [ الأنبياء : 26 ] .

فلو كان على اتصاله بالأول لكان يقول : ومن يقل منهم : إني ولد إله لأنهم قالوا : { اتخذ الرحمان ولدا } ولم يقولوا : اتخذ الرحمان إلها .

فلو كان على الصلة بالأول والجواب له لكان{[12582]} يخرج على الجواب لهم : { ومن يقل منهم إني إله } لكن كأنهم كانوا فرقا : منهم من قال : { اتخذ الرحمان ولدا } ومنهم من عبد دونه الملائكة ، واتخذهم آلهة ، فيخرج هذا جوابا لذلك ، فقال : { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم } الآية .

فإن قيل لنا في قوله : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } [ الأنبياء : 98 ] وقد عبد عيسى دونه ، وعبدت الملائكة دونه ، فيكنون حصب جهنم على ظاهر ما ذكر . قلنا : تأويل قوله : { وإنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } أي إنكم وما تعبدون من دون الله بأمر الذين عبدوا ، وقالوا لهم : اعبدوني حصب جهنم . دليله ما ذكر في الآية : { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين }أي المشركين ؛ { الظالمين } هاهنا المشركين الكافرين .

ثم قال الحسن في قوله : { ومن يقل منهم إني إله من دونه } لا يحتمل أن يكونوا يقولون ذلك لما وصفهم بالطاعة{[12583]} له وترك الخلاف لأمره . لكنه ذكر هذا ليعلم الخلق أن من قال ذلك ، وإن عظم قدره عنده ، وجلت منزلته ، يجزيه{[12584]} بما ذكر أنه يستوجب لذلك .

ولكن عندنا المعصية من الملائكة [ ممكنة محتملة ، دليلها ] {[12585]} : { ومن يقل منهم إني إله من دونه } لأنه قد مدحهم بقوله : { لا يعصون الله ما أمرهم } الآية [ التحريم : 6 ] وقوله{[12586]} : { لا يستكبرون عن عبادته } الآية [ الأنبياء : 19 ] فدل ذلك كله على أنهم مختارون في ذلك غير مجبورين{[12587]} عليه .

وقال بعضهم من أهل التأويل : { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم } هو إبليس ؛ هو كان منهم ، وهو الذي قال ذلك : { إني إله من دونه } فاعبدوني ، والله أعلم .


[12582]:في الأصل و م: فهو.
[12583]:من م، في الأصل: الطاقة.
[12584]:أدرج قبلها في الأصل و م: أنه.
[12585]:في الأصل و م: ممكن محتمل دليله.
[12586]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[12587]:في الأصل و م: مجبولين.