تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ} (30)

الآية 30 : وقوله تعالى : { أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما } ؟ قوله : { أولم ير } يخرج على وجوه :

أحدها : أن اعلموا ، وروا أن السماوات والأرض كانتا كذا .

والثاني : لو تفكروا ، وتأملوا ، لعلموا أنها كذا .

والثالث : على التلبية : أن قدروا ، وعلموا أنهما كانتا كذا . وكذلك هذا في كل ما ذكر من قوله : { أولم تروا } إلى كذا . فهو كله يخرج على هذه الوجوه .

ثم يكون قوله : { وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون } { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون } { وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهو عن آياتها معرضون } { وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء : 30 إلى 33 ] كل هذا كان في قوله : { أولم ير الذين كفروا } كأنه يقول : أولم يروا كذا ؟ [ أو لم يروا ما جعلنا لهم ] {[12588]} من أنواع ما ذكر .

ثم ذكر ذلك لهم يكون لوجوه .

أحدها : أن يذكر نعمه عليهم حين{[12589]} أخبر أن السماوات والأرض كانتا رتقا ، ففتق منهما أرزاقهم .

[ والثاني ] {[12590]} ذكرهم أنه جعل بالماء حياتهم ، وجعل لهم الأرض بحيث تقر بأهلها ، وتسكن بهم ، وجعلها مهادا لهم وفراشا بالجبال حتى قدروا على المقام بها والقرار .

[ والثالث : ]{[12591]} أنه جعل فيها فجاجا سبلا ليصلوا إلى حوائجهم وشهواتهم ومنافعهم التي جعلت لهم في البلاد النائية .

[ والرابع : أنه ] {[12592]} ذكرهم نعمه أيضا في حفظ السماء عن أن تسقط عليهم على ما أخبر أنه يمسكها هو بقوله : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا } [ فاطر : 41 ] .

[ والخامس : ] {[12593]} ذكرهم أيضا نعمه في ما جعل لهم من الليل والنهار وفي الشمس والقمر من المنافع :

يستأدي بذلك كله الشكر على ما أنعم عليهم . أو تذكرهم بهذا قدرته وسلطانه ، إذ من قدر على فتق السماء والأرض وجعل حياة كل شيء في الماء وإمساك السماء وحفظها عن أن تسقط بلا عمد وما ذكر من خلق الليل والنهار وقطع الشمس والقمر بيوم واحد مسيرة خمسمائة عام إن من قدر على كل ما ذكر لقادر على بعثهم وإحيائهم بعد الموت وبعدما صاروا ترابا .

[ والسادس : ] {[12594]} أن يذكرهم غناه بذاته وملكه . إن من كان هذا سبيله فأنى تقع له الحاجة إلى اتخاذ الولد أو الشريك أو الصاحبة ردا على ما قالوا : { اتخذ الرحمان ولدا } [ الأنبياء : 26 ] وما { اتخذوا من دونه آلهة } [ الأنبياء : 24 ] ونحوه ؟

وبين فساد ذلك كله وبطلانه حين قال : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } [ الأنبياء : 22 ] وقال : { أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون } [ الأنبياء : 21 ] ونحوه . يبين بهذا كله فساد ما ادعوا على الله أنه اتخذ كذا .

ثم اختلف في قوله : { كانتا رتقا } قال بعضهم : فتق السماء بالمطر ، والأرض بالنبات . فتق السماء ، وهي أشد الأشياء وأصلبها ، بألين شيء ، وهو الماء . وكذلك الأرض فتقها بألين شيء ، وهو النبات مع شدتها وصلابتها ، وهو ما ذكر من لطفه وقدرته .

وقال بعضهم : { كانتا رتقا } ملتزقتين ، ففتقهما ، وجعل بينهما هواء مكانا للخلق .

وقال بعضهم : كانت السماء واحدة والأرض كذلك ، فجعل من السماء سبعا [ ومن الأرض كذلك سبعا ] {[12595]} فكذلك فتقه إياهما ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } قال بعضهم : الماء نطفة ، ونطفة الرجال منه يخلق الخلائق . وقال بعضهم : { وجعلنا من الماء } الذي خلق في الأرض أو أنزل من السماء حياة كل شيء ؛ تعلم حياة خلائق الأرض بهذا الماء . ولكن لا تعلم حياة أهل السماء بماذا ؟ والله أعلم .


[12588]:في الأصل و م: ما جعلناهم.
[12589]:في الأصل و م: حيث.
[12590]:في الأصل و م: و.
[12591]:في الأصل و م: ثم قال.
[12592]:في الأصل و م: و.
[12593]:في الأصل و م: و.
[12594]:في الأصل و م: أو.
[12595]:من م، ساقطة من الأصل.