اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَمَن يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِۦ فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

قوله : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ } . قال قتادة : عنى إبليس حيث دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعة نفسه فإن أحداً من الملائكة لم يقل إني إلهٌ من دون الله{[28174]} .

والآية لا تدل على أنهم قالوا ذلك أو ما قالوه ، وهذا قريب{[28175]} من قوله : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ }{[28176]} قوله : «فذلك نجزيه » يجوز في «ذلك » وجهان :

أحدهما : أنه مرفوع بالابتداء{[28177]} ، وهذا وجه حسن .

والثاني : أنه منصوب بفعل مقدر يفسره هذا الظاهر{[28178]} ، والمسألة من باب الاشتغال ، وفي هذا الوجه إضمار عامل مع الاستغناء عنه ، فهو مرجوح{[28179]} .

والفاء وما في حيزها في موضع جزم جواباً للشرط{[28180]} .

و «كذلك » نعت لمصدر محذوف ، أو حال من ضمير المصدر أي جزاء مثل ذلك الجزاء ، أو نجزي{[28181]} الجزاء حال كونه مثل ذلك{[28182]} .

وقرأ العامة «نَجْزِيه » بفتح النون ، وأبو عبد الرحمن المقرئ{[28183]} بضمها{[28184]} ، ووجهها أنه من أجزأ بالهمز من أجزائي{[28185]} كذا ، أي : كفاني ، ثم خففت الهمزة فانقلبت إلى الياء{[28186]} .

فصل{[28187]}

احتجت المعتزلة بقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى } على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر ، لأنه لا يقال في أهل الكبائر : إن الله يرتضيهم .

والجواب : قول ابن عباس والضحاك : أن معنى { إِلاَّ لِمَنِ ارتضى } أي لمن قال : لا إله إلا اله . وهذه الآية من أقوى الدلائل في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر ، وهو أن من قال لا إله إلا اله فقد ارتضاه الله في ذلك ، ومتى صدق عليه أنه ارتضاه الله في ذلك ( فقد صدق عليه أنه ارتضاه الله ){[28188]} لأن المركب متى صدق لا محالة كل واحد من أجزائه ، وإذا ثبت الله سبحانه قد ارتضاه وجب اندراجه تحت هذه الآية ، فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على ما قرره ابن عباس .

فصل{[28189]}

دلَّت الآية على أن الملائكة مكلفون لقوله : { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } ، وعلى{[28190]} أن الملائكة معصومون . قوله : { كَذَلِكَ نَجْزِي الظالمين } قال القاضي عبد الجبار : هذا يدل على أن كل ظالم يجزيه الله جهنم ، كما توعد الملائكة به ، وذلك يوجب القطع بأنه تعالى لا يغفر الكبائر في الآخرة . وأجيب بأن أقصى{[28191]} ما فيه أن هذا العموم مشعر بالوعيد ، وهو معارض بعمومات الوعد .

والمراد ب «الظَّالِمينَ » الواضعين الإلهية والعبادة في غير موضعها .


[28174]:انظر البغوي 5/482.
[28175]:في الأصل: أقرب.
[28176]:من قوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [الزمر: 65] وانظر الفخر الرازي 22/160.
[28177]:والجملة بعده خبر التبيان 2/916.
[28178]:انظر التبيان 2/916.
[28179]:وأيضا فالجملة خرجت من الاسمية إلى الفعلية، ولا يوجد سبب لاقتران جواب الشرط بالفاء.
[28180]:وهو قوله: "ومن يقل منهم ..." وانظر التبيان 2/916.
[28181]:في ب: ونجزي.
[28182]:وجوز أبو البقاء في "كذلك" أن يكون في موضع نصب بـ "نجزي" أي جزاء مثل ذلك التبيان 2/916. ولو نظرنا إلى تقدير أبي البقاء لوجدناه يقصد أنه نعت لمصدر محذوف.
[28183]:هو عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمان القرشي المقرئ البصري ثم الكوفي إمام كبير في الحديث، ومشهور في القراءات، روى الحروف عن نافع، روى عنه ابنه محمد شيخ أبي بكر الأصبهاني، مات سنة 322 هـ طبقات القراء 1/463-464.
[28184]:المحتسب 2/61، البحر المحيط 6/307.
[28185]:في ب: أجزأ في. وهو تحريف.
[28186]:وقد وجه ابن جني هذه القراءة بأنه يقال: أجزأني الشيء أي كفاني، فكأنه في الأصل نجزئ به جهنم، أي نكفيها به، ثم حذف حرف الجر فصار نجزئه جهنم، أي نطعمه جهنم، كما حذف حرف الجر في قوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلا} [الأعراف: 155] أي من قومه، ثم أبدلت الهمزة من "نجزئه" ياء على حد أخطيت وإبدال الهمزة هنا ياء لغير علة إلا طلبا للتخفيف. انظر المحتسب 2/62، وسر صناعة الإعراب 2/739، وانظر أيضا البحر المحيط 6/307.
[28187]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/160.
[28188]:ما بين القوسين سقط من ب.
[28189]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/160-161.
[28190]:في ب: على.
[28191]:في ب: أقضى.