تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

الآية 28 : وقوله تعالى : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } هذا قد ذكرناه في سورة طه [ الآية : 110 ] .

وقوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } كقوله{[12579]} في آية أخرى : { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضي له قولا } [ طه : 109 ] فيكون تأويل قوله : { إلا لمن ارتضى } أي إلا لمن أذن له .

ثم يتوجه قوله : { إلا لمن ارتضى } إلى الشفيع ، أي لا يؤذن لأحد بالشفاعة إلا من كان مرضيا مرتضى دينا وعملا . ويتوجه قوله : { إلا لمن ارتضى } إلى المشفوع له { إلا لمن ارتضى } عنه الرب مذهبا وعملا حتى لم يدخل في عمله تقصير .

ثم الشفاعة إنما جعلت /338- ب/ في الأصل للتجاوز في ما دخل في العمل من التقصير . ثم لا يخلو الذي يشفع له إما أن يكون صاحب الصغيرة فيجوز أن يعذب عليها ، وإما{[12580]} أن يكون صاحب كبيرة ، ففيه دلالة التجاوز ، والعفو عن صاحب الكبيرة لأنا قد قلنا : إن الشفاعة إنما جعلت لمن منه التقصير في العمل . ففيه نقض قول المعتزلة لأنهم يقولون : إن صاحب الصغيرة معفو عنه للصغيرة{[12581]} حتى لا يجوز أن يعذب عليها ، وصاحب الكبيرة لا يجوز العفو عنه للتجاوز ، بل هو معذب أبدا .

قوله تعالى : { وهم من خشيته مشفقون } هذا ، والله أعلم ، كأنه صلة قوله : { يسبقونه بالقول } الآية [ الأنبياء : 27 ] أي من خشية عذابه وهيبته لا يتقدمون بقول ، ولا فعل ، ولا أمر ، ولا نهي خوفا منه وهيبة ، والله أعلم .


[12579]:في الأصل و م: وقال.
[12580]:في الأصل و م: أو.
[12581]:في الأصل و م: الصغيرة.