تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَآئِهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِي ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٰتِ ٱلنِّسَآءِۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۚ وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (31)

الآية 31 : وعلى هذا {[13866]} يخرج قوله : ]وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن( .

وقوله تعالى : ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر[ روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( أنه ){[13867]} قال ]إلا ما ظهر[ الرداء من الثياب .

وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[13868]} قال ]إلا ما ظهر منها( : الكحل والخاتم ، وفي رواية أخرى : الكف والخاتم .

وعن عائشة رضي الله عنها ( أنها ){[13869]} قالت : ]إلا ما ظهر منها( : القلب ، والفتخه ، وهي خاتم إصبع الرجل .

وعن عبد الله بن الزبير ( قوله : الزينة ){[13870]} زينتان : زينة باطنة ، لا يراها إلا الزوج ( كالإكليل والسوار والخاتم . وأما الزينة الظاهرة فالثياب ){[13871]} .

فإن كان التأويل ما روي عن ابن مسعود ( حين خص الرداء من الثياب ){[13872]} ففيه دلالة ألا يحل النظر إلى امرأة أجنبية وإن كان ما قال ابن عباس ففيه دلالة حل النظر إلى وجه المرأة لا بشهوة .

وإن كان ما قالت عائشة من القلب والفتحة ففيه دلالة جواز النظر إلى الكفين والقدمين لأنهما ظاهرتان باديتان .

ألا ترى أنهما من الظواهر في فرض غسل الوضوء ؟ وإن كان ذلك ففيه دلالة جواز صلاتها مع ظهور القدم .

وجائز أن يكون النظر إلى وجه المرأة حلالا إذا لم يكن بشهوة . لكن غض البصر وترك النظر أوفق وأزكى كقوله : ]يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن[ أنهن حرائر ]فلا يؤذين[ ( الأحزاب : 59 ) كما يؤذى الإماء .

والذي يدل أن للمرأة ألا تغطي وجهها ، ولا ينبغي للرجل أن يتعمد النظر إلى وجه المرأة إلا عند الحاجة إليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه " إنما لك الأولى وليست لك الآخرة " ( الترمذي : 2777 ) وفي بعضها " الأولى لك والآخرة عليك " ( بنحوه الترمذي : 2777 ) لأنه كأنه إنما يتعمد النظر في الثانية لشهوة تحدث في قلبه .

وإذنه للذي تريد أن يتزوج امرأة أن ينظر إليها يدل على أن نظر الرجل إلى وجه المرأة غير حرام ، لأنه لو كان حراما لم يأذن فيه للنبي لأحد .

ونرى ، والله أعلم ، أن النظر إلى وجه المرأة ليس بحرام إذا{[13873]} لم يقع في قلب الرجل من ذلك شهوة . فإذا وجد لذلك شهوة ، ولم يأمن أن ( يؤدي به ){[13874]} ذلك إلى ما يكره ، فمحظور عليه أن ينظر إليها إلا أن يريد به معرفتها والنكاح ، فإنه قد رخص في ذلك .

روي أن المغيرة ( بن شعبة ){[13875]} أراد أن يتزوج امرأة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم{[13876]} " اذهب ، فانظر إليها ، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " ( أحمد : 4/245 ) .

وقال في بعض الأخبار : " إذا خطب أحدكم المرأة فلا بأس أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها ، للخطبة ، وإن كانت لا تعلم " ( بنحوه أحمد : 3/360 ) .

وأحسن للشابة وأفضل لها أن تستر وجهها ويديها عن الرجال ، ليس أن ذلك حرام{[13877]} ولكن لما يخاف في ذلك من حدوث الشهوة ووقوع الفتنة بهن .

فإذا لم يكن للناظر في ذلك شهوة بأن كان شيخا كبيرا ، أو كانت المرأة دميمة أو عجوزا ، فإنه لا يحظر النظر إلى وجوه أمثالهن ، ولا ينظر إلى{[13878]} ما سوى ذلك .

وأصله قول الله تعالى : ]قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين[ ( الأحزاب : 59 ) .

ومما يدل على أن الوجه والكفين جائز ألا يكونا{[13879]} بعورة : بأن المرأة ، لا تصلي وعورتها مكشوفة ، ويجوز أن تصلي ووجهها ويداها ورجلاها مكشوفة . فإذا كان كذلك دل ذلك على أن النظر إلى ذلك جائز ، إذا لم يكن ذلك لشهوة ، دخل في ذلك معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " العينان تزنيان " لأن زناء العين لا يكون إلا بالنظر للشهوة . فإذا كان لشهوة دخل في ذلك معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الوجه والكفين ، ليسا بعورة ما روي عن عائشة أنها{[13880]} قالت : " دخلت علي أختي أسماء ، وعليها ثياب شامية رقاق ، وهي اليوم عندكم صفاق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه ثياب ، لا تحبها سورة النور ، فأمر بها ، فأخرجت ، فقلت : يا رسول الله زارتني أختي ، فقلت لها ما قلت : فقال يا عائش إن الحرة إذا حاضت لا ينبغي أن يُرى إلا وجهها وكفاها " ( بنحوه أبو داود : 4104 ) فإن تبت هذا فإنه يبين ما ذكرنا ، والله أعلم/366- ب/ . وقوله تعالى : ]يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن[ قد ذكرنا أن المرأة يكون لها النظر إلى الرجال من غير محرمها كما يكره للرجل ( النظر ){[13881]} على المرأة الأجنبية .

ألا ترى أنه " روي أن ( عبد الله ابن مكتوم المؤذن الأعمى ، دخل ){[13882]} على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أزواجه عنده : عائشة وأخرى . فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوما ، فقالتا : ( يا رسول الله أليس هو أعمى ؟ ){[13883]} فقال لهما : أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه " ( الترمذي : 2778 ) أو كلاما ){[13884]} نحو هذا . فدل انه ما ذكرنا .

وعلى ذلك أخبار : روي عن خالد بن معدان ( أنه ){[13885]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة ، تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبيت في مكان ، تسمع نفس رجل ، ليس بمحرم . ولا يحل لامرئ ، يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت في مكان ، يسمع نفس امرأة ، ليست بمحرمة " ( بنحوه البخاري : 3006 ) .

وفي بعض الأخبار أنه قال {[13886]} : " ولا يرخص للمرأة أن ترى غير ذي محرم منها إلا الوجه والكف وما ظهر ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كوع عائشة ، وقال هذ " ( بنحوه أبو داوود : 4104 ) .

وعن الحسن أنه قال في قوله تعالى : ]إلا ما ظهر منها[ : الوجه وما ظهر من الثياب .

فإن ثبت ما ذكرنا من المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين{[13887]} رخص النظر إلى الوجه والكف لقوله : " إلا الوجه والكف " استثناء الوجه والكف من بين سائر الجوارح ، كان ذلك تفسيرا لقوله " إلا ما ظهر منها " كأنه قال ]ولا يبدين زينتهن [ للأجنبيين ]إلا ما ظهر منها[ وهو الكحل والخاتم .

ثم الكحل ( يكون ){[13888]} في الوجه ، والخاتم في اليد . فذكر الزينة يكون كناية عن مواضعها لأن النظر إلى الزينة ( حلال لكل أحد إذا كان المراد بالزينة ){[13889]} الحلي . وما ذكره القوم يدل أن المراد بذكر الزينة مواضع الزينة لا نفس الزينة والحلي .

ثم رخص للأجنبيين النظر إلى بعض الزينة ، وهو ما ظهر منها من الوجه والكف ، ولم يرخص ما خفي منها وما بطن ، ثم استثنى المحارم منها ( ورخص لهم النظر ){[13890]} إلى ذلك بقوله ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن[ إلى آخر ما ذكر .

ثم مواضع الزينة الخفية ، منها الصدر ، ومنها الأذنان ، وهما في الرأس ، ومنها الساق .

ثم جمع بين الأب ومن سمى معه وبين الزوج في النظر إلى زينة المرأة . ولا خلاف في أن الأب ، لا يجوز أن ينظر من عورات ابنته إلا إلى رأسها ، وفي الرأس الأذنان ، وقد يكون فيهما القرطان{[13891]} ، ونحوه .

وإذا جاز له أن ينظر إلى رأسها ، ولا خمار عليها ، فله أن ينظر على صدرها ، وهو موضع الزينة ، لأنه مما يغطيه الخمار ، وينظر إلى ذراعها وموضع الخلخال من قدميها ورجليها ، وهي{[13892]} مواضع الزينة الباطنة التي لا يجوز للأجنبي أن ينظر إليها .

ثم النظر إلى الوجه أحق أن يحرم النظر إليه للأجنبي من الرأس وغيره من مواضع الزينة لأن الوجه يجمع فيه جميع المحاسن ، وغيره من مواضع الزينة ، ليس فيها محاسن . لكن إنما حرم النظر إلى هذه المواضع لأنها عورة في نفسها ، فالنظر إلى العورة حرام للأجنبي ، ولأن النظر إليها ؛ أعني مواضع الزينة ، لا يكون إلا للشهوة ، والنظر إلى الشهوة حرام{[13893]} .

فأما المحارم منها فإنهم لا ينظرون إلى هذه المواضع منها لشهوة ، ولا يقصدون به ذلك البتة ، فأبيح لهم النظر إليها . وكل من يخشى من المحارم النظر إليها لشهوة لا ينظر إليها ، وكذلك الأجنبي ( حين أبيح له ){[13894]} النظر إلى الزينة الظاهرة ، فإن خشي به الشهوة لم ينظر إليها وضرورة{[13895]} ثم غيرها من العجزة ، لا يحل لأحد النظر إليها : للأب وغيره إلا للزوج خاصة أو للمولى إلى مملوكته ، وهو ما قال : ]والذين هم لفروجهم حافظون[ ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين[ ( المؤمنون : 5 و6 ) .

استثنى الأزواج والموالي من بين غيرهم لأن النظر إلى ذلك لا يكون إلا للشهوة ، لا تقع فيه حاجة ، فلا يباح ذلك إلا لمن له قضاء الشهوة والوطء ، وهو الزوج والمولى .

فانقسمت العورة إلى جهتين : جهة تحل للمحارم النظر إليها لحاجة وضرورة ، تقع لهم ، وجهة لا تحل لهم إلا للأزواج لما لا تقع لهم حاجة ولا ضرورة بالنظر إلى ذلك .

ألا ترى أن الأمة ينظر ( الأجنبي{[13896]} ) إلى شعرها وذراعيها وساقيها وصدرها إذا أراد شراءها ؟ فلا ينظر إلى ما سوى ذلك . فإذا جاز للأجنبي أن ينظر إليه من الأمة جاز لمحرمها النظر إلى ذلك من المرأة للحاجة التي ذكرنا .

ثم ذكر في الآية المحارم جميعا إلا الأعمام والأخوال . قال بعضهم : إنما لم يذكرهم{[13897]} في هذه الآية لأنها تحل لبنيهم{[13898]} بالنكاح ، فكره أن ( يصفوها لبنيهم ){[13899]} ولهذا كره ( في ما كره من المرأة ){[13900]} المسلمة إبداء الزينة الخفية للكافرة من اليهودية والنصرانية لما لعلها تصف ذلك للمشركين ، فيرغبون فيها ، ويتكلفون ذلك ، وصرف قوله : ]أو نسائهن[ إلى{[13901]} المسلمات .

لكن جائز عندنا أن العم والخال إنما لم يذكرهما للكثرة والتطويل لما يكره ذلك ، أو لما ذكر من أجناسهم وأمثالهم فذكر الرخصة في أمثالهم كافية .

وقوله تعالى ]أو نسائهن[ يحتمل وجوها : يحتمل النساء ( اللواتي ){[13902]} يختلطن بهن أو نساء قرابتهن أو النساء اللاتي{[13903]} توافقن في دينهن وهن المسلمات على ما قاله أولئك .

وقوله تعالى ]أو ما ملكت أيمانهن[ قال قائلون ]أو ما ملكت أيمانهن[ كقوله : ]إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم[ ( المؤمنون : 6 ) ونحوه .

وقال قائلون : الإماء ( والعبيد جميعا . فإن كان المراد به الإماء ){[13904]} فهو ظاهر ، وإن كان المراد به الأمة والعبد ففيه إباحة نظر العبد إلى شعر مولاته على ما يقول بعض الناس .

والأشبه أن يكون المراد به ، والله أعلم الإماء دون العبيد ( وهو ){[13905]} ما ذكرنا في آخر الآية : ]أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال[ العبيد{[13906]} من الرجال . أو ذكر التابعين{[13907]} ؛ والتابع ، وإن كان خصيا أو غنيا أو معتوها على ما قالوا فإنه لا يحل لهؤلاء النظر إلى تلك المواضع على حال . فعلى ذلك العبد .

فيكون الدخول عليهن مضمرا{[13908]} في الآية ، وتكون{[13909]} النساء متأهبات وقت دخول العبيد والتابعين عليهن ، لأنه ذكر التابعين ، وهم تابعوا الأزواج ، ووقت دخول هؤلاء يكون معلوما عندهن ، فيتأهبن لهم ، وتسرن ، والله أعلم بذلك .

ألا ترى ( أنه ){[13910]} لا يحل للمرأة أن تسافر بعبدها ؟ دل أنه ليس بمحرم لها . لذلك لم يحل له النظر إلى شعر مولاته .

فإن قيل : ما معنى : إمائهن ونسائهن ؟ وكل النساء يجوز لهن النظر إلى المرأة وإلى هذه المواضع التي ذكرنا ؟ قيل : خص الله عز وجل بالذكر إماءهن ونساءهن دون النساء الأجنبيات تأديبا لا خطرا . وذلك أن المرأة قد يضيق عليها أن تستتر من أمتها ونساء أهل بيتها لكثرة رويتهن لها ، وقد تقدر أن تستر من الأجنبية محاسنها وزينتها لقلة رؤيتها لها .

ألا ترى أنه قد نهى الله المرأة أن تضرب برجلها لتعلم ما تخفي من زينتها . وفي ذلك صيانة للرجل والمرأة وإبعاد لهما عما{[13911]} يحذر عليهما ، ويخاف ؟ فليس ببعيد أن يجعل نهيه المرأة أن تظهر زينتها ومحاسنها للأجنبية لما يخاف على الأجنبية من فساد{[13912]} قلبها وحدوث الشهوة لها صيانة /367-أ/للنساء والرجال وإبعادا لهم من الزينة ، ولئلا تصفها لرجل ، يفتتن بها ، ويتكلف الوصول إليها ، والله أعلم .

وقوله تعالى ]وليضرن بخمرهن على جيوبهن[ روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزلت هذه الآية أخذت النساء أزرهن ، فشققنها من قبل الحواشي ، فاختمرن بها{[13913]} .

وعن ابن عباس : ]وليضربن بخمورهن على جيوبهن[ يقول : وليشددن يخمرهن على الصدر والنحر ، فلا ترين منهما شيئا . قال وكان{[13914]} النساء قبل هذه الآية إنما تسدلن خمرهن سدلا من ورائهن كما يصنع النبط . فلما نزلت هذه الآية سدلن الخمر على النحر والصدر .

وفي الآية دلالة أن دروع النساء كانت ذات جيب ، لأن الجيب إنما تكون للدروع ، وذلك كان لباس النساء .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى الرجال عن لَبسة النساء وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء . وروي لهن الرجل يلبس لبسة المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل .

وعن ابن عباس : لعن النبي المؤنثين من الرجال والمذكرات من النساء . وكأنه مكروه للرجل ، والله أعلم . أن يلبس فراعة وحدها ، لا قميص تحتها ، لأن ذلك لباس النساء ، إلا أن يكون لها شق ذيل ، فخرجت من لبس النساء ، ولم يكره للرجال ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ إنما يباح النظر إلى الوجه للحاجة ، وأما على غير الحاجة فلا يباح لما ذكرنا من قوله : ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ الآية ( الأحزاب : 59 ) وقوله : ]وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن[ ( الأحزاب : 53 ) .

فعلى ذلك ترك النظر إلى وجه المرأة أطهر للنساء وللناس جميعا . فلا يباح ذلك إلا عند الحاجة إليه ، وهو معرفتها لتقيم به الشهادة .

فإن قيل : أليس النظر يسع إلى مواضع الزينة الخفية للأجنبي للتداوي{[13915]} ؟ قيل : يسع ذلك الضرورة ، وأما للحاجة فلا . ومسألتنا في الحاجة ليست في الضرورة .

ثم قوله تعالى : ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ] إلى آخر ما ذكر جائز أن يكون المراد برخصة النظر إلى الزينة لهؤلاء المسمين في الآية رخصة النظر إلى نفس الزينة في موضع الزينة لا موضع الزينة . فيدخل في هذه الرخصة من ذكر من ]التابعين غير أولي الإربة من الرجال[ ونحوه ، لأن الزينة في الصدر وما ذكر إنما تكون من وراء ثياب ، تكون على الصدر{[13916]} .

ثم رخص النظر للمحارم إلى مواضع الزينة ولغير المحارم من الممالك والتابعين ]غير أولي الإربة(

و( أما في ){[13917]} ذكر رخصة الدخول عليهن فيكون في الآية إضمار الدخول كأنه قال : ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن[ ومن ذكر من المحارم : ولا يدخل عليهن إلا العبيد والتابعون ومن ذكر من ]غير أولي الإربة( فيكن في وقت دخول هؤلاء متأهبات ، لأن وقت دخول هؤلاء يكون معلوما ، يعرفنه{[13918]} ، فيتأهبن ، لأن العبيد إنما يدخلون على سيداتهم ومولياتهم عند حاجتهن إليهم ( ولأن ){[13919]} التابعين ومن ذكر إنما يدخلون إذا دخل أزواجهن عليهن ، فيتأهبن لذلك .

ومثل هذا{[13920]} الإضمار جائز في الكلام ، يتبين ذلك بالثنيا كقوله : ]أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم[ ( المائدة 1 ) .

دل قوله : ]غير محلي الصيد[ أنه كان الصيد مذكورا ؛ إذ لو لم يكن مذكورا لم يكن استثنى منه .

فعلى ذلك جائز أن يكون في الأول إضمار الدخول فيه لهؤلاء الذين لا يحل لهم النظر إلى مواضع الزينة منهن ، ورخصة الإبداء{[13921]} للمحارم ، أو أن يكون ما ذكرنا في ما تقدم ، والله أعلم .

وقوله تعالى ]أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال[ قال بعضهم : الشيخ الكبير الذي لا حاجة له في النساء وقال بعضهم : المعتوه الحمق الذي لا تشتهيه النساء ، ولا يغار منه{[13922]} الأزواج ، وقال بعضهم : العنين والخصي وهؤلاء ( هم ){[13923]} الذين لا يطيقون الجماع .

لكن عندنا : لا يسع العنين أو الخصي أن يخلو بامرأة أجنبية .

وقال الحسن : ]غير أولي الإربة[ هم الرجال المخنثون .

روي عن عائشة ( أنها قالت : كان ){[13924]} يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث ، وكانوا يعدونه من ]غير أولي الإربة[ قالت : فدخل النبي ذات يوم ، وهو ينعت امرأة ، فقال : " لا أرى هذا يعلم ما ههنا ، لا يدخلن عليكم فحجبوه " ( مسلم : 2181 ) .

وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ، وعندها مخنث ، فأقبل على أخي أم سلمة ، فقال : يا عبد الله إن فتح الله لكم غدا الطائف دللتك على بنت غيلان ، فإنها تقبل بأربع ، وتدبر بثمان ، فقال : ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ){[13925]} " لا أرى هذا يعرف ما ههنا ، لا يدخلن عليكم " ( بنحوه مسلم : 2180 ) .

وقال بعضهم : ]غير أولي الإربة( الذين لا تهمهم غلا بطونهم ، ولا ( يخاف منهم ){[13926]} على النساء .

وكله واحد ، وهم الذين ليست لهم الحاجة إلى النساء .

قال أبو عوسجة : الإربة الحاجة ، والإرب جميع ، وكذلك قال القتبي . وقال ابن عباس : هو الذي لا تستحيي منه النساء .

وقوله تعالى : ]أو الطفل الذين لم يطهروا على عورات النساء[ قال بعضهم : هو من{[13927]} الاطلاع ؛ أي لم يطلعوا ، ولم يدروا ما هو من الصغر . وقال بعضهم : ]لم يظهروا على عورات النساء[ أي لم يبلغوا الحلم ؛ والأول أشبه عندنا ؛ وذلك لأن الطفل الذي لم يحتلم قد أمر بالاستئذان في بعض الأوقات لقوله : ]ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم[ ( النور : 58 ) فالذي يؤمر بالاستئذان ، هو الطفل الذي لم يحتلم ، وقد يطلع على عورات النساء .

والذي لا يؤمر بالاستئذان ، هو أصغر من ذلك . وهو الذي لا يطلع على عورات النساء لصغره ، والله أعلم .

وقوله تعالى ]ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن[ أي لا يضربن إحدى ( الرجلين بالأخرى ){[13928]} ليقرع الخلخال بالخلخال ]ليعلم ما يخفين من زينتهن[ أي ما تواري الثياب من الزينة ، وهو الخلخال ( الذي أخفته ){[13929]} الثياب .

نُهيَتِ المرأة من ضرب رجلها لتعلم الرجال ما تخفي من زينتها . وذلك محظور عليها ، لم يخرج ذلك مخرج ترغيب الناس وحثهم عليها ؛ إذ الزينة في الأصل ما جعلت إلا للترغيب والتحريض على أنفسهم ، وهي الداعية إلى النظر والشهوة .

وفي ترك ذلك وفي ترك إبداء الشهوة صيانتها وصيانة الرجال وإبعادهم جميعا من الزينة والرغبة .

فكشف الشابة عن وجهها ونظر الرجل لشهوة إليها أحرى أن يكون محظورا عليه منهيا عنه ، والله أعلم بالصواب .

( وقوله تعالى ){[13930]} ]وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون[ ( يحتمل وجهين : أحدهما ){[13931]} : ]وتوبوا إلى الله[ أي ارجعوا إلى الله بالطاعة له والخضوع لتكونوا مفلحين .

( والثاني ){[13932]} : أن يكون قوله : ]وتوبوا إلى الله[ أي ارجعوا عما قدمتم من المعاصي والمساوئ ، واجعلوا مكان ذلك طاعة له ليعفو عنكم ما قدمتم من المعاصي ، والله أعلم .


[13866]:في الأصل وم: هذه.
[13867]:ساقطة من الأصل وم.
[13868]:ساقطة من الأصل وم.
[13869]:ساقطة من الأصل وم.
[13870]:في م: الزانية، ساقطة من الأصل.
[13871]:في الأصل وم: فأما الزينة الظاهرة فالثياب، والباطنة فالإكليل والسوار والخاتم.
[13872]:في الأصل وم: حيث خص من الثياب وغيره.
[13873]:في الأصل وم :إذ.
[13874]:في الأصل وم: يؤذ به.
[13875]:ساقطة من الأصل وم.
[13876]:من م، في الأصل: لرسول.
[13877]:أدرج بعدها في الأصل وم: إليها للخطبة.
[13878]:من م في الأصل: أن.
[13879]:في الأصل وم: يكون.
[13880]:ساقطة من الأصل وم.
[13881]:ساقطة من الأصل وم.
[13882]:في الأصل وم: أعميين دخلا، انظر الإصابة ج4/11.
[13883]:في الأصل وم: أنهما عميان يا رسول الله.
[13884]:في الأصل وم: هما وإن كان أعميين فأنتما لستما بأعميين أو كلام.
[13885]:ساقطة من الأصل وم.
[13886]:ساقطة من الأصل وم.
[13887]:في الأصل وم: حيث.
[13888]:من م، ساقطة من الأصل.
[13889]:من م، ساقطة من الأصل.
[13890]:في الأصل وم: ورخصهم نظرا.
[13891]:في الأصل وم القرط.
[13892]:في الأصل وم وهو.
[13893]:أدرج بعدها في الأصل وم إليها.
[13894]:في الأصل وم حيث أبيح.
[13895]:ساقطة من م.
[13896]:ساقطة من الأصل وم
[13897]:في الأصل وم:يذكر.
[13898]:في الأصل وم: لبنيها.
[13899]:في الأصل وم :يصفاها لبنيهما.
[13900]:من كره للمرأة.
[13901]:ساقطة من الأصل وم:أي.
[13902]:ساقطة من الأصل وم.
[13903]:في الأصل وم التي.
[13904]:من م، ساقطة من الأصل.
[13905]:ساقطة من الأصل وم.
[13906]:في الأصل وم: والعبد.
[13907]:في الأصل وم: التابع.
[13908]:في الأصل وم: مضمر.
[13909]:في الأصل وم: وكن.
[13910]:ساقطة من الأصل وم.
[13911]:في الأصل وم: ما.
[13912]:من م في الأصل فشا.
[13913]:في الأصل وم: به.
[13914]:في الأصل وم: وكن.
[13915]:في م: للتداوي بها في الأصل: المتداوي بها.
[13916]:من م، في الأصل، وقوله.
[13917]:في الأصل وم: من.
[13918]:في الأصل وم: يعرفن.
[13919]:في الأصل وم: و.
[13920]:في الأصل وم: هذه.
[13921]:في الأصل وم: الابتداء.
[13922]:في الأصل وم: عليه.
[13923]:ساقطة من الأصل وم.
[13924]:في الأصل وم: قالت: كانت..
[13925]:ساقطة من الأصل وم.
[13926]:في الأصل وم: يخافون.
[13927]:ساقطة من الأصل وم.
[13928]:في الأصل وم: رجليها على الأخرى.
[13929]:في الأصل وم: قد أخفاق.
[13930]:ساقطة من الأصل وم.
[13931]:في الأصل: هذا يحتمل قوله، في م: هذا يحتمل وجهين يحتمل.
[13932]:في الأصل وم أو.