تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُن فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ} (70)

[ الآية 70 ] وقوله تعالى : { ولا تحزن عليهم } قال قائلون : قوله : { ولا تحزن عليهم } بما يحل بهم من العذاب إن لم يحزنوا هم على أنفسهم ولم يرحموها .

وقال بعضهم : قوله { ولا تحزن عليهم } إن لم يسلموا كقوله{[15112]} : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } [ الكهف : 6 ] وكقوله : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء : 3 ] وقوله : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] وأمثال ذلك .

كادت نفسه تهلك وتتلف إشفاقا عليهم بما ينزل بهم بتركهم الإسلام ، فقال : { ولا تحزن عليهم } [ وقال ]{[15113]} { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] ليس على النهي ، ولكن على تسكين نفسه وتقريرها على ما هي عليه لئلا تتلف وتهلك . وهو ما قال : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } [ القصص : 56 ] .

وقوله تعالى : { ولا تكن في ضيق مما يمكرون } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : { ولا تكن في ضيق مما } يستهزئون بكم ويسخرون بما توعدهم من العذاب والهلاك .

ألا ترى أنهم قالوا على إثر ذلك { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } ؟ [ النمل : 71 ] قالوا ذلك له استهزاء بما يوعدهم . فكأنه قال لرسوله : { ولا تكن في ضيق مما } يستهزئون بما توعدهم فإن الله يجزيهم جزاء استهزائهم بكم .

والثاني : { ولا تكن في ضيق مما يمكرون } أي مما يريدون ، ويهمون بقتلك ، فإن الله يحفظك ويحوطك ، فلا يصلون إليك مما يريدون من قتلك وإهلاكك ، وهو ما قال : { والله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] .

وفيه دلالة إثبات رسالته حين{[15114]} أمنه ، وأخبره أنه يحفظه ويعصمه من جميع الأعداء ، وهو بين أظهرهم . فتلك آية من آيات النبوة والرسالة ، والله أعلم .


[15112]:- من م، في الأصل: لقوله.
[15113]:- ساقطة من الأصل وم.
[15114]:- في الأصل وم: حيث.